Monday, December 14, 2009

علم إجتماع: الحياة الزوجية بأبعادها المختلفة

علم إجتماع: الحياة الزوجية بأبعادها المختلفة


30/08/2009


لتحميل النص اضغط هنا

الحياة الزوجية بأبعادها المختلفة

تمهيد:

يحرص الشاب أي شاب عندما يصل إلى سن معينة- على التعرف إلى فتاة تصلح لأن تكون له زوجةوكانت التقاليد المرعية في فلسطين قبل منتصف القرن العشرين تقتضي بأن يتزوج الفتى من فتاة لها مواصفات خاصة وعامة، وأن يبتعد قدر الإمكان عن بعض المحاذير الشخصية والبيتية، ويطمح أن تجمع فتاته إلى جمالها الجسمي جمال النفس وطيب الأخلاق وكرم الأصل. فإذا وجد ضالته المنشودة قرر أن يقترن بها اقتراناً شرعياً بدخوله حظيرة الزواج، فما هو الزواج؟

الزواج لغة: الاقتران وخلاف الفرد والزوج البعل، قال تعالى: " ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".[1] وفي الاصطلاح: رابطة اجتماعية تجمع بين رجل وامرأة أو أكثر وفق معايير خاصة بعضها يعتمد على العرف والعادة وبعضها الآخر يعتمد على القوانين النقلية والوضعية وتنطوي على حقوق وواجبات متبادلة، قال تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".[2] وقال (ص) " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".[3] وهكذا فطر الإنسان عليه بإقامة الأسرة وبناء المجتمعات فيه يستقر الإنسان وينجب الأطفال وينشد السعادة ويؤمن بعضهم من يعتمد عليه عند الكبر إلى جانب المتعة الجسدية والقضاء على الوحدة فالزواج في المجتمع الفلسطيني على أنواع، ورد في الأمثال الشعبية الدارجة والأقوال السائرة ومنها:

أ. زواج الغرة:

وهو نوع من الزواج يتم في حالات القتل حيث يعطي القاتل ابنته أو أخته إلى احد أقارب المقتول، من جملة الدية حتى يسود الوئام بدل الخصام بين العائلتين المتخاصمتين وهو قليل نادر ويندر أن تنال الغرة محبة عائلتها حتى أن من تساء معاملتها من قبل زوجها أو ذويه تقول: ( أنت ميخذني في دية)

ب. عطية الجورة:

ويسمى أيضا " عطية الصرة أو عطية الصينية: " أو الزواج عند الولادة، حيث جرت العادة أحيانا في المجتمع الفلسطيني أن يقول الأخ لأخيه فيجيبه: " ع حبل ايدك" فيرد عليه: وانا قابلها، فتكون البنت قد خطبت عند ميلادها لابن الشخص المبارك، هذا وقد اعتبر الشخص الذي يجود بابنته آنذاك صاحب شهامة وكرامة ولا يستطيع أحد أن يقترب منها ليطلب يدها بعد كبرها، لأن المبارك كان يقدم لها الهدايا الرمزية في كل عيد من الأعياد على اعتبار أنها مخطوبة لابنه الذي يكبرها قليلاً أو يكونان من الأغراب ويقولون ( فلانه مقطوعة صرتها على اسمه) وقد يرفض الخاطب الزواج من خطيبته المعطية له عند ولادتها أو ترفض هي ذلك وهو نادر الحدوث.

ج. زواج الشغار.

ويقوم على أساس المقايضة أي التبديل: حيث يبدل الرجل قريبته أخته أو ابنته أو من يلي أمرها من قريبة رجل آخر مقابل عدم دفع المهر لأي منهما حيث يقع التبادل ذلك موقع دفع المهر. وقد يكون بين الأقارب أو غيرهم فيقولون ( خذ أختي وأعطيني أختك وكل من يتزوج بأخته) أو يقولون ( وحدة يتطلع وحده بتدخل) (راس براس ما في ولا وجع راس). وربما ترتب على هذا الزواج الشقاق بين الأزواج أو بعضهم مما يؤدي في كثير من الحالات إلى الطلاق وخاصة إذا لم تتفاهم إحدى البديلتين مع زوجها أو بعض أقاربه وينعكس الأمر على الأخرى مع زوجها، وقد حرمه الإسلام بقول الرسول (ص)( لا شغار في الإسلام) ولكنهم يحتالون على الشرع بدفع مهور شكلية لكل من البديلتين بل يقدم كل من الخاطبين ثياب العرس والحلي لقريبته بدل المهر (الصداق). هذا وقد اعتبر المثل زواج البدل زواجاً ظالماً لا عدل فيه حين قال: (البدل قلة عدل).

أسبابه وما يترتب عليه:

كان الفقر السبب المباشر لانتشاره في المجتمع الفلسطيني آنذاك لعدم القدرة على دفع المهور أو ربما كان الشخص الراغب في الزواج مرفوضاً اجتماعياً من قبل الفتيات لكبر سنه أو لأي سبب آخر فتأتي أخته أو ابنته المرغوبة من قبل الآخرين مطية يركبها ليعرضها بضاعة رائجة لينسل من خلالها ليبدل بها وقد فرض بالإكراه والقسر على غيرها قبوله، وقد عابت الأمثال هذا النوع من الزواج واعتبرت من ينهجه كثير الندم لأنه لا تساوي في الغالب بين البديلتين مادياً ومعنوياً فيقولون ( يا بادل الزينة بالشينة يا بدل الشوم كان) أو قولهم ( يا بادل النخلة بالسخلة يا كثير الندم) وذلك عندما تكون أحداهما طويلة وجميلة والأخرى قصيرة وذممية، وقولهم ( يا بادلين غزلانكم بقرود) في معرض التدليل والتمايز والمقارنة بين طرفي نقيض، هذا وربما دفع بعضهم نقوداً زيادة على قريبته مستغلاً فقر صهره فيقولون ( عروس بعروس والباقي مكسب)، أو قد تكون أحداهما مرغوبة أكثر من الأخرى بسبب صغر سنها أو جمالها فيقولون (الصغيرة بتستوي والكبيرة بتلتوي)

وفي هذه الأنواع الثلاثة من الزواج تنشأ بعض الغبن أو كله للفتى والفتاة على حد سواء، فقد يقف حجر عثرة في سبيل سعادة احدهما أو كلاهما خاصة انه لا خيار لأحدهما في اختيار شريك حياته بعد تضحية أو حتى مجرد معرفته لصاحبه لذا فإنه قد لا يناسب احدهما صاحبه لاختلاف الأمزجة والأخلاق أو طريقة الحياة لافتقارهم للتجانس والعشرة.

د. الزواج المتسرب:

وهو الزواج المبنى على أساس أن لرجل واحد زوجتين احدهما في بلدة ويبقى معها وأخرى في بلدها بعيدة وغالباً ما تكون أرملة حيث يعرج عليها كلما مر بقريبتها أو مدينتها بسبب مشاغله وأعماله فيجلب لها معه بعض الهدايا وينفق عليها وتكون بعيدة عن ضرتها فلا ترى أحداهما الأخرى فيبقى الزواج بعيداً عن مشاكل الصدام التي تقع غالباً بين الضرائر في حال كونها في بيت واحد أو قرية واحدة، ويعتمد هذا النوع من الزواج على الاتفاق المتبادل قبل عقد القرآن فإذا ما تم يقولون ( جبل ع جبل ما بيلتقين أما بني آدم على بنى آدم بيلتقوا) وهو اقل أنواع الزواج بل أندرها.

هـ. الزواج العادي

ويقوم على اختيار كل من الزوجين أو ذويهما في الغالب شريك حياته بالطرق المتعارف عليها في المجتمع وهو أكثر الأنواع السالفة الذكر انتشاراً.

سن الزواج والزواج المبكر وأسبابه:

قد يكون الزواج مبكراً أو متأخراً في كل نوع من الأنواع السالفة الذكر. وقد ساد الزواج المبكر في الغالب المجتمع الفلسطيني آنذاك، وهو يقوم على أساس تزويج الفتاة من الفتى في سن مبكرة قد لا تتجاوز السادسة عشرة للفتى والرابعة عشر للفتاة ولهذا الزواج أسبابه ودوافعه ونتائجه التي منها:

الجانب الاجتماعي: حيث يفاخر الناس بكثرة المواليد الذكور خاصة (كثرة العزوة) لأن البنات مصيرهن الزواج والخروج من البيت أما الأبناء فيهبون للدفاع عن شرف العشيرة ضد المعتدين ويصور المثل أم البنين وأم البنات وكل واحده منهما قد انشغلت بهدف معين يناسب وضعها مع مواليدها في قوله ( أم البنين تمشي وتنين وين الحبس يا مظلومين؟ وأم البنات تمشي وتبات وين الصايغ يا بنات؟). هذا إلى جانب كون المجتمع الفلسطيني من المجتمعات المحافظة بقدر ما للشرف من قدسية فلذلك يسارع الأب إلى زواج ابنته ليسترها ويبعدها عن الانحراف أو البوار (سترة البنت جيزتها)، أما الشاب فأن عطف والديه ومحبتهم له يدفعهم إلى زواجه المبكر ليفرحوا بزواجه حيث يقولون ( خلينا نفرح فيه خلينا نزم له ولد قبل ما نموت).

الجانب الاقتصادي:

حيث العمل الزراعي للغالبية الساحقة لإفراد المجتمع لأن معظمهم من الفلاحين الكادحين العاملين في أرضهم طيلة أيام السنة تقريباً وهذا العمل المتواصل يحتاج إلى أيد عاملة كثيرة للقيام به، فالزواج رغبة في إنجاب البنين للمساعدة وفي انضمام الفتاة للأسرة يعتبر إضافة يد عاملة جديدة تساعد في أعمال الزراعة والبيت.

وقد يكون طمع والد الفتاة في تزويجها مبكراً من غني لسترتها من جهة ويقبض بعض مهرها من جهة أخرى ليعلم إخوتها أو لينفق عليه منه أو لعدم إطالة فترة الخطوبة بالنسبة للخاطب لما يترتب عليه من نفقات باهظة تتمثل في الهدايا التي هو في غنى عن دفعها إذا ما تزوج من خطيبته.

الجانب الديني:

فهناك عامل ديني يشجع على الزواج المبكر قال (ص)" تناكحوا تكاثروا فأنني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"، ثم إن ما يترتب على الأيمان العميق بكفالة الرزق من الله ما يجعل الإقبال على الزواج المبكر أمرا محبباً فالمثل يقول: ( الله ما بنسى حدا من رزقه) فلا خوف من الجوع لان الله يخلق وبرزق، ولا احد مات منه ( عمر ما واحد مات من القلة) لان (الله يخلق الواحد ويخلق رزقه معه). فيقبل الإنسان على الزواج دون تهيب أو خوف منهما يترتب عليه من تبعات رغم قولهم ( عيلة السبعة ما إلها شبعة) ولعل ذلك مرده إلى التشاؤم من الرقم السابع لدى بعضهم، هذا وان هناك أمرا هاماً في زواج الأبناء حيث يقولون ( بارك الله فيمن زال الغيبة عن نفسه) لأن حديث الناس حول الشاب والشابة إذا ما أصبحوا في سن الزواج يكثر بشكل واضح إذا كان لا بد من الزواج فلمن الاختيار في أمره؟

سجلت الأمثال جانباً كبيراً مما يدور في تفكير المرأة والرجل بخصوص موضوع الإقدام على الزواج لأنه يرتبط بمستقبلهما وحياتهما القادمة، فقد صورته في جوانبه المتعددة، وان استعراض مجموعة من تلك الأمثال ليدل على أن البيئة هي التي تحكم في تلك الظروف الخاصة بالزواج. فلقد أتضح أن الدور الأول في اختيار زوجة الأبن أو زوج البنت هو لرب الأسرة حيث يقول المثل ( دور لبنتك قبل ما تدور لابنك) وقولهم ( جوز أهل الدار قبل الرجال) فهو أمر يفيد النصح والإرشاد في اختيار الزوج المناسب للبنت قبل لأنه لا رأي للبنت البكر في أمر زواجها وذلك لعدة اعتبارات شعبية منها:

أن الشاب لا يسقط اجتماعياً بزواجه الأول بعكس الشابة فالمثل يقول ( المرة المطلقة لا تقربها) كما يقول ( للبنت بخت وللشب سبع بخوت). إن خبرتها في الاختيار غالباً ما تكون غير موفقة في نظرهم لأنها دون المستوى المطلوب في المعرفة والبصيرة والقدرة على تمييز الصالح من الطالح حيث يقول المثل (إن دشرت البنت ع خاطرها يا بتتجوز طبال يا مزمار). وهناك قصة مثل شائعة ومتداولة يعللون بها هذا القصور وملخصها أن فتاة حسناء كانت ترفض كل من يتقدم بطلب يدها عن طريق والديها وأخيرا ترك لها والدها حرية الاختيار فاختارت شابا وسيما قسيما ليتزوجها ففعل فكان يضربها يومياً بقساوة وهي تتحمل بمرارة تدعو الى الأسى وتردد ( اضرب يا نقا عيني) وهي صابرة لان الذنب ذنبها في سوء اختيارها ولعل مرد ذلك عدم معرفة كل واحد منهما صاحبه سلفاً لعدم مخالطته، وترك الحرية للاختيار والمعرفة عن كثب وربما تعدى أمر الانتقاء الوالدين الى شيخ العشيرة لكونه أكثر خبرة ولماله من هيبة وتقدير واحترام يفرضها على من حوله حيث يتدخل تدخلا مباشرا في اختيار زوج ابنة العائلة وابنها فإذا كان الأمر على ما ذكر فيبدو انه يعتمد على القهر والإجبار في الاختيار. فهل من معايير معتمدة تؤخذ بعين الاعتبار عند ذلك الاختيار؟ والجواب: نعم هنالك معايير خاصة لاختيار الزوج للفتاة وثانية لاختيار الفتاة للفتى وثالثة تتعلق بالحظ والنصيب ومن المعايير التي كانت تؤخذ بعين الاعتبار عند اختيار الزوج لابنه ما يلي:

1.الغنى: حيث يعتبر المثل الرجل الغني هو أفضل الأزواج وربما كان ذلك بسبب الفقر الذي عاشه الشعب الفلسطيني في عهوده السابقة حيث يقول المثل ( لف بنتك في العباة وارميها في دار الغناه) ليتسنى لها أن تعيش عيشة كريمة.

2.الفتوة والشباب: فقد يفضل الشاب على علاته ( شب ايهين ولا ختيار يطلع الدرج ينين) وقد ينعكس الحال فتفضل بعضهن ( الشايب ) الهرم الذي يدللها على الشاب الذي يهينها حيث يقول ( اختيار يدلل ولا شاب يذلل). وان كانت النظرة للشاب غالبة فتراهن يتهكمن إذا ما جاء لطلب يد إحداهن هرم قائلات: ( آخر النهار اختيار) وقولهن:( مظلش ع الخم غير ممعوط الذنب). ومعظمهن يطمحن الى الزواج من الشاب القريب في سنهن بغض النظر عن فقره أو غناه وذلك في قولهن ( شاب في الزفة ولا مال في القفه) وقولهن ( شاب في السوق ولا مال في الصندوق).

الصور المتناقضة في نظر المرأة الى زوج المستقبل:

إنها لا تشير الى حقيقة المجتمع بقدر ما تشير الى مجموعة من المواقف المتعارضة المتناقضة التي لم تكن تخلو منها الحياة فلا يمكن اعتبار المثل الذي يدعو الى تفضيل الشيخ (الهرم) قاعدة للعادات والسلوك في المجتمع الفلسطيني أو المجتمع السوي ولكن هذه الصورة لا تخرج عن كونها موقفاً خاصاً يمثل وجهة النظر الفردية التي تنطوي على حالة قابلة للتغير، وفي النهاية كان المجتمع يقوم بتقويم المعوج من السلوك ويصحح خطأ العادات والتقاليد عندما يعتريها الشطط أو الجموح، وربما كانت إحدى الصور المترسبة عن فترات اليأس والانحلال والتأخر التي مرت على الشعب الفلسطيني حيث سيطرت فيها طبقة الشيوخ على مراكز المال والقوة مما يستهوي عقول الغريرات الساعيات الى الطموح والمتعة وانتقلت هذه الصور الى مختلف الطبقات حيث أصبحت في وقت ما نموذجاً للسلوك. فالتحرر من مثل هذه المألوفات التي أتضح فشلها لنسبيتها وبات من الضروري تجاوزها أمر لا بد منه.

ابن العم: وقد يفضلن ابن العم على قلة ذات يده ( يؤخذ ابن عمي ويتغطى بكمي)

ابن البلد: وبعضهن يفضل الزواج في القرية أو المدينة على الزواج خارجها (غريبة) فقد جاء على لسان الأم قولها : ( تجيني بزيديتها ولا تجيني بهديتها) لان في زواجها من غريب تكلف أهلها الكثير في السعي إليها والسهر على راحتها إضافة الى أنها تكون قريبة من أمها وتأكل من بيت أهلها إذا دعتها الحاجة الى ذلك. كما نصحت بزواج الفتاة من أشخاص منسوبين الى مدن بعينها على علاتهم مفضلة الزواج منهم على اللا زواج (خذي ساحوري ولا تبوري) ( خذي البالي ولا تضالي). وهكذا يبدو أن بعض الناس قد جهل قدر الحياة وحسبها مالا يقتني وترفا يوفر لحواس البدن ما تشتهي فراح ينشد الغنى فيمن طلب يد ابنته أو الجاه أو أشياء أخرى متجاهلاً طلب الصفات الكريمة والمعاني الجميلة والخلق الطيب الذي يمثل الإنسانية الراقية.

أما عند اختيار الزوجة للأبن فهناك عدة اعتبارات بعضها يتعلق بالفتاة نفسها وبعضها الآخر يتعلق بأهلها وذويها بعضها مادي وبعضها الآخر معنوي واليكها مفصلة:

1- معايير اختيار الفتاة من جهة أهلها:

المفاهيم الشعبية تجسد الأقارب وتدعمه وقليل منها الذي يفضل الزواج من الغريبة وتفضيل الزواج من الأقارب له مبرراته التي منها:

  • الإبقاء على ترابط العائلة ووحدتها وتماسكها أمام تحدي العائلات الأخرى بسبب انتشار العداء السافر بين الحمائل والعشائر خاصة في المجتمعين. الريفي والبدوي وكثيراً ما يقولون في معرض حديثهم عن زواج الأقارب من بعضهم بعضاًَ ( دار فلان كبوا زيتهم على طحيناتهم)
  • بسبب الإرث حتى لا تتسرب ثروة الأسرة للغرباء كقولهم ( خيرنا ما يصير أروح لغيرنا)
  • رغبة الأم في أن تكون كنتها إحدى قريباتها أو قريبات زوجها لتقوم بخدمتها في حال شيخوختهما، وقد نصح المثل بزواج بنت العم ولو كانت بائرة بقوله ( عليك بالطريق ولو دارت وخذ بنت العم) لأنها تتحمل أكثر من غيرها فيما لو وقع زوجها في ضائقة مالية أو فقر مستمر حيث يقول المثل: ( بنت العم بتصبر ع الجفا والحفا أما الغريبة بدها تدليل) ويقولون ( بنت العم بتصبر ع الضيق والعازة).

إشارة تستحق الرحمة:

عصبية الزواج من ابنة العم حيث يقدم على ابن الخال بقولهم: ( ابن الخال مخلى وابن العم مولى) فهو يمثل التزاماً يرتبط بصلة الدم، ويتبع ذلك كله علاقة الأقارب الحسنة أو السيئة بين بعضهم بعضاً. بيد أن العرف والعادة غالباً ما يقفان إلى جانب ابن العم مفضلا زواجه من ابنه عمه حتى لو زفت إلى الغريب فإن له الحق والقدرة على إبطال زواجها من ذلك الغريب والزواج منها وتسمى هذه العادة (البداة) فيقولون (ابن العم ابدى من الغريب) ويقولون ( ابن العم بنزل عن ظهر الفرس) فتعرضة لابنة عمه وحيلولته بينها وبين الزواج من غيره قسراً يعتبر أمرا شاذاً له عواقب سيئة وهو إشارة تستحق الرحمة في مجانبة العرف والعادة للفتاة دون الفتى فإن كانت مرغوبة فهي له رضيت أم غضبت وان كانت عكس ذلك فهو في الغالب مخيرين اخذها أو تركها. بل يغلب رفضها زواجه وتركها للمقادير وقد يسود الخلاف وتبقى الفتاة حبيسة بيت أهلها لا يستطيع أحد أن يتقدم لخطبتها خوفاً من أبناء عمومتها الذين رفضت الزواج من احدهم حتى تجد من هو أقوى منهم شوكة، والا بقيت عانساً في بيت والدها، وقد يتدخل الدين والعرف أحيانا لفك اسارها وإنقاذها من كابوس القرابة المطبق على أنفاسها حيث يقول ( البنت ما عليها ش شطارة) وقولهم منفرين ابن العم ( اللي بريدك ريده واللي بطلب الجفا زيده). وأخيرا تتدخل القاعدة الشعبية لتكون الفيصل النهائي والحد من اسطوانة الخلاف في قولهم ( كل شي بالخناق إلا الجيزة باتفاق) لان ( جيزة الغصب غصب) ولان ( نسب وقشب ما بجوز). وبذلك تتخلص الفتاة من ظلم ذوي القربى إن كانت تطمح في زواج شخص لا يمت لها بصلة القرابة لسبب ما وهنا تعود الأمثال الشعبية الدارجة لتقف ضد الفتاة وتعنفها على رفضها لقريبها، كما تثير نار الحقد بين الأقارب وتؤجج الشر حيث تقول ( بنت عمه ما هملت همه أخذت غيره جكارة في عينه)، وهي لا تنسى ابن العم من اللوم والتعنيف أن تنصل من زواج ابنة عمها أيضا قائلة ( يا ابن العم يا كومة ترايب بنات العم أخذوهن الغرايب) ولعل القول الأخير على لسان بنات العم تعنيفاً لأبناء عمومتهن الذين لم يتقدموا لطلب أيديهن.

وتبقى كلمة حق تقال بأنه لا عيب على الفتاة إذا أحبت غريباً وبادلها نفس الحب لذلك ينبغي رحمة المتحابين إذا كان علوهما صحيحاً.

أما تجنب الزواج من القريبة والتحول للزواج من غريبة فله أسباب ومبررات كان وما زال اهمها الخلاف المستحكم والعداء السافر بين الأقارب فيقولون ( البغضاء في القرايب والحسد في الجيران) فلا يتزاوجون حيث يقول المثل مشنعاً الزواج من القريبة ( خذ من الزرايب ولا تؤخذ من القرايب). وربما تهكم المثل على من يتزوج الغريبة وابنه عمه عزباء في سن الزواج بقوله ( شاة الدار دوره وبنت العم عورة)، وربما فضل بعضهم الزواج من المرأة الغريبة لان الله باركها في قولهم ( بارك الله في المره الغريبة والفلحة القريبة). كما أن الرسول (ص) قد أشار بالزواج من الغريبة بقوله " غربوا النكاح لئلا تضووا"، وقد نصح المثل بالزواج من المرأة الغريبة أيضا لأنها كالتجارة ربحاً وفائدة تماماً كالمتاجر بالأرض القريبة في قولهم ( تاجر في الأرض القريبة والمرة الغريبة) ويخفف المثل من وطأة الصعوبة التي تواجهها الفتاة في حال تغريبها وشدة وقعة على نفسها وأهلها بقولهم ( بنت الشرق للغرب وبنت الغرب للشرق). هذا وربما نفر الناس من الإقبال على الزواج من الغريبة لغلاء مهرها ويؤكد المثل هذه النظرة في قوله ( اللي بوخذ من غير جنسه بيدق ابين فلسه).

أما ابنة العم فينصح المثل على لسانها ناهياً ابن عمها بتجنب الزواج من الغريبة بقوله ( يا ابن العم لا تؤخذ غريبة زوان بلادك ولا قمح الصليبه) لان بنت العم معروفة الحسب والنسب ولأنها ( لحمته يجب عليه سترها) بالزواج منها، كما لا يخشى عليها الخروج على التقاليد المتبعة في البيئة المحلية حتى أن المثل ينصح بالزواج من بنات البلد لا الغريبات وهو قريب من سابقه ( زوان البلد ولا حنطة الجلب)، ومع ذلك كله فقد فضل المثل الأقارب والزواج بينهم على الغرباء غاضاً البصر عن بعض الثلمات الجانبية التي ربما اتخذت ذريعة للوفاق لا للخلاف في مثل بعض الثلمات الجانبية التي ربما اتخذت ذريعة للوفاق لا للخلاف في مثل قولهم ( اهلك ولا تهلك) وقولهم ( من طينة بلادك طين اخدادك) وقولهم ( ازرع من عشب بلادك ولو انه قحوان). كلها تمثل رصيدا آخر من الأمثال والأقوال الشعبية الدارجة التي خصت على التقرب من الأقارب بالمصاهرة لان ( الأقربون أولى بالمعروف).

* الحسب والنسب والأصل والفصل والدين: حسب الإنسان في اللغة شرف الأصل وما تعده من مفاخر الآباء، وأما النسب فيقصد به المصاهرة وهو في اللغة بمعنى القرابة، والأصل والفصل يقصد بها النظر في اصل الفتاة ومقدار شرفها وهي تلي القرابة في الأهمية في نظر الأمثال بل ربما فضلها بعضهم أحيانا على القرابة كقولهم ( كون نسيب ولا تكون قريب) لان في المصاهرة صلة جديدة لا توجد قبلها صلة أحيانا كالقرابة مثلا التي تعكرها مشاكل ما قبل المصاهرة. هذا وقد حبذ المثل الزواج للرجل من الفتاة ذات الأصل بقوله ( عليك بالأصيل ورفقته ولو أن هدومه باليات) غاضا البصر عن الثراء وذلك في مثل قولهم ( خذ الأصيلة ولو أنها على الحصيرة) فهم بذلك إنما يفضلون الزواج بكريمة الأصل ولو كانت فقيرة معدمة، لان طيبة الأصل بتونس حيث يطمئن زوج الأصيلة اطمئناناً نفسياً في حال غيابه عن البيت في حفاظها على شرفها وعدم خيانته الزوجية ولذلك فإنهم يحرصون في التأكيد في سؤالهم عن الأم والعمات والخالات للفتاة مركزين على اصل البنت من جهة أمها وخالها متذرعين بالقول ( طب الجرة على ثمها بتطلع البنت لامها) ولأن ( ثلثين الولد لخاله) وقد جاء في معناهما قول الشاعر:

البنت للأم في أخلاقها تبع والفرع للأصل متبوع ومنتسب

فالبنت تتبع أخلاقيات أمها سلباً وإيجابا فالأم الأصيلة تخلف بنتاً أصيلة لأن ( شرش الأم بلم) وشر الأم جرار، وتؤكد الأمثال الشعبية الدارجة قوانين الوراثة بل وتؤيدها حيث يقول المثل ( شرش الام جرار لسابع جد).

معايير اختيار شخص لفتاة:

تلك كانت المعايير المتعلقة بأهل الفتاة فهل من معايير تتعلق بشخصها هي؟ والجواب : نعم وهي:

1.الجمال المادي والمعنوي: يقف جمال الفتاة في الدرجة الأولى من سلم المعايير المتعلقة بشخصها عند اختيارها زوجة حيث يتهافت الشباب الطامع للزواج على طلب يد الفتاة الجميلة في شخصها من حيث صحة الجسم وشكله العام ومنظره ولونه وهم بذلك إنما يعنون بالجمال المادي قبل أن يعنوا به كروح ويرجع ذلك إلى أسلوب التربية ومبلغ الرقي والمعتقد الشعبي الذي يفضل البشرة البيضاء أو الشقراء للفتاة ذات الشعر الطويل المسترسل والقامة الممشوقة والقد النحيل والردف الثقيل حيث يقول المثل مصورا تلك النظرة ( خذها بيضة ولو أنها مجنونة) وهم يربطون الجمال بالكمال فيقولون ( فلانة مثل النقطة في المصحف) وقولهم ( فلانة بتقول للقمر غيب تقعد مطرحك) لصاحبة الوجه الجميل المستدير وقولهم لمن اكتملت فيها صورة الجمال ( فلانة زين وعين ) كما يقولون لمن لا تظهر على الناس إلا لماما ( صار له زمان ها القمر ما بان). كما يقولوا في وصفهم خفة دم الفتاة وصغر سنها وبروز جمالها وفتنتها وسحرها ودلالها ( فلانة زي زغلول الحمام) وينصح المثل الخاطب الناقد للفتاة بالتريث في حكمه على جمالها عند عقد العزم على طلب يدها للتحقق من ذلك الجمال بقولهم ( لا تخطبها من تحت حمله ولا من باب طابون إلا وهي قاعدة من النوم شبه القمر يا فوم). ويحرصون على التمايز بين صاحبة الجمال الطبيعي الذي لا يمكن تزييفه وبين غيرها ممن يستعملن المساحين ووسائل الطلاء المصطنعة الأخرى لان صاحبة الجمال المصطنع مهما تسترت فإنها سرعان ما تكتشف، فمهما انفقت من قطع الصابون في تنظيف بشرتها فلن تغير ذلك شيئا من واقعها حيث يقولون ( اللي مش بيضا خلقة ما بتبيضها فلقه) وقولهم ( الحلو حلو ولو قام من النوم والشنع شنع ولو غسل كل يوم ). ولكن هل كل بيضاء مرغوبة ؟ أم أن هناك حدوداً لبياض البشرة وسوادها؟ ويجيب المثل على هذا التساؤل قائلاً ( مش كل بيضة شحمه ولا كل سودا فحمه) فيمكن أن تلطف الفتاة من بشاعة بشرتها وسوادها بلطف حديثها ومنطقها الجميل الساحر الجذاب فيقولون ( إن كنت وحشه كوني نغشه). فقد تخدع المظاهر كما مر سابقاً لذلك فإن بياض البشرة ليس كل شيء كما يتبادر إلى الذهن لأول مرة وكما يحلو للعين أحيانا فبياض العرض وصونه من التهتك مع الشرف أفضل بكثير من بياض البشرة في قولهم ( ما بياض إلا بياض الثنا) فالسمعة الحسنة والسيرة العطرة حيث يطل الجمال المعنوي من مكمنه ليدلي بدلوه بين الدلاء، وليس معنى هذا أن يتنكر المثل للتجمل بل هو يطالب أن تتجمل المرأة في أوقات معينة كقولهم ( خليك في بيتك قرده واطلعي عند الناس ورده). فطبيعة المرأة تحت التزين والتجمل في الغالب فصاحبة البشرة السمراء تحاول تلطيف سمرتها بالمساحيق ولكن المبالغة الزائدة عن الحد المعقول تقلب الأمور رأسا على عقب لأن المرأة التي تتفق كل دخل زوجها على تجميل نفسها تعتبر بحق مبذرة ولا تستحق احترام المجتمع وتقديره لأنها ( مهما اشتغل جوز السمرة تيشتري الها بودرة وحمرة)، فمن أين يأكلون؟ بل ومن أين يلبسون وينفقون؟

فالجمال المادي مهما علا شأنه أن افتقر إلى جمال الشرف والفضيلة والعفة والأخلاق العالية والطاعة والتعقل والاتزان والتدبير لا وزن له ولا اعتبار حيث يقول المثل الشعبي الدارج مشنعاً على صاحبة المظهر الخادع ( من بره نقشي ومن جوه زفت محشي) وقولهم ( الشرف أحسن من قنطار فلوس). وان اكتمل في المراة الجمال المادي ( المظهر) مع حسن المخبر فذلك هو الجمال والا فالشرف والعفة هما أساس ملكة الجمال الحقيقي كذلك فإن طاعة الزوج أمر ضروري للسعادة الزوجية حيث يقولون ( قرد موالف ولا غزال مخالف)، كما أن السماء تبارك الزوجة المطيعة لزوجها في قولهم ( بارك الله في المرة المطيعة) كما أنهم يفضلون صاحبة العقل الراجح لأنه زينه المراة ومن افتقدته فهي حزينة لا تستطيع تدبير أمورها الحياتية فتبقى في شقاء ليس بعدة شقاء يحزنها ( العقل زينه واللي بلاه حزينة). لذلك فقد حذر المثل من زواج المفتقرة إلى الجمال والعقل بقولهم ( لا زين فيها ولا عقل مباريها شو بدك فيها).

هذا وان المقاييس الجمالية للمرأة غير مقيدة بل هي ذوقية أكثر منها اعتبارية اعتباطية فبينما يقبل بعضهم على الجسم وثقيلة الأرداف أكثر أذواق غيرهم لا تقبله. والمسألة قبل كل شيء آخر مسألة استلطاف فما يروى عن عبد الملك بن مروان انه رأى بثينة بعد وفاة جميل فانكر أن تكون هذه الشابة هي نفسها التي اهاجت شاعريته فقال لها " ماذا رأى فيك جميل حتى هام وأنت حمشاء ادماء دقيقة الساقين حديدة القصبين؟ فردت عليه: لقد رآني جميل بعينيه لا بعينيك أنت يا أمير المؤمنين.

2.صغر السن وكبره: وبعد الجمال يأتي صغر سن الفتاة وكبرة حيث يفضل الفلاحون خاصة أن يضموا للبيت فتاة صغيرة السن ليسهل قيادها والسيطرة عليها ضمن الأفكار والقيم السائدة لديهم. كما أن المجتمع البدوي يفضل كذلك صغيرة السن وعلى العموم فإن المجتمع الفلسطيني يفضل الفتاة الصغيرة التي هي في مقتبل العمر على الفتاة العانس التي فاتها قطار الزواج المسافر فيقولون ( يا ميخذ الصغار يا غالب التجار) فلا احد يتغلب على التاجر في جمع المال كذلك الحال مع من يتزوج الفتاة الصغيرة حيث تنبت مطيعة ( بربيها على اديه). كما أن هنالك اعتقادا مفاده أن المرأة تهرم قبل الرجل لذا فإنهم ينصحوا بزواج الفتاة التي تصغر الفتى ببضع سنين ولا تكبره بشيء لان من تكبر وتتبنت في بيت أهلها فإنه من الصعوبة بمكان تطبيعها والعيش معها في انسجام بل إن المثل يعتبرها في بشاعتها كبشاعة الفأر عندما ينزل في طاس من الزيت فيخربه على أصحابه ولا خلاص مما عبث به إلا بطرحه والخلاص منه حيث يقولون ( البنت إن أنبتت وما رخت جدايلها ، الفار في الزيت ما بعمل عمايلها). وقولهم متهكمين على من يتزوج من كبيرة السن ( من كبر همه تجوز قد امه) لدرجة أن المثل يحذر من زواج العجوز مهما كانت غنية بقوله ( إياك أن تتجوز العجوز ولو كانت أكثر من قارون كنوز) خوفاً من أن تستعبد زوجها بمالها وهناك مثل يناقض هذا المثل ولا غضاضة لأن لكل ظروفه الخاصة التي قد تمثل وجهة نظر فردية معينة تنطوي على حالة قابلة للتغير وذلك في قولهم ( أتجوز الأرملة واضحك عليها خذ من مالها واصرف عليها)، معرضين بمن يتزوج من أرملة والتي قد تكون كبيرة السن أو صغيرته ومع ذلك فقد يحصل مثل ذلك الزواج مع بعض الشاب الطائش ثم يتنبهون إلى واقعهم الأليم بعد فوات الأوان فيقعون في مشاكل لا أول لها ولا آخر تنتهي في الغالب بالطلاق لذا فأنهم يفضلون زواج الاتراب بقولهم ( كل جيل مع جيله يلعب).

3.النشاط والقدرة على العمل: كذلك فإن لدى المجتمعين الريفي والبدوي اعتباراً مهما في نظرهما إضافة ما ذكر وهو يكمن في قدرة الفتاة على القيام بالأعمال الزراعية المختلفة في مثل قولهم( لا يعجبك زيتها وبضا خرقتها بكره بتيجي الحصيدة وبتشوف فعلتها). فلا اعتبار للجمال الشكلي الخادع وإنما الاعتبار كل الاعتبار للقدرة على العمل في موسم الحصاد وجمع الغلال الذي تساهم فيه المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل سواء بسواء.

كما ينصحون بزواج المرأة المدبرة التي تحتال على أمور الحياة مفضلة على المرأة الغنية التي تفتقر إلى الإدارة في قولهم ( خذ أم الحيلة ولا تؤخذ أم الذخيرة). كما أنهم قد يفضلون كرم الأصل مع النشاط على سواهما من الصفات ( خذوا الأصيلة النشيطة ) ويروي بطريقة أخرى هي ( دور ع الأصل والشطارة). وقد يتغاضون عن الأصل ويهتمون بالعمل كقولهم ( إن غاب عنك أصلها دور على فعلها).

الحظ والنصيب ودورهما في ترتيب أمر الزواج:

كثيراً ما يلعب الحظ والنصيب الدور الرئيسي في ترتيب أمر الزواج دون أي اعتبار أو معيار مما ذكر سابقاً فالسعيد من الأزواج – وقليل ما هم – من يستطيع أن يجمع في محظيته جل تلك الصفات الايجابية ولكن هيهات فقد يقف الحظ النصيب بالمرصاد ويسمونه أحيانا ( القسمة والنصيب) أو البخت وما إلى ذلك من التسميات الشعبية التي أبرزتها الأمثال في صورة تبدو وكأنها هي أساس الزواج وركيزته الأولى ولا شيء سواها فيقولون لمن يقع في زواج غير موفق بعد انتظار طويل نتيجة لنصيبه النكد: صام صام وافطر على بصلة والغريب في أمر الحظ ذاك انه لا يحابي ولا يجامل ولا يعطي إلا من وراء حجاب. فقد يطمح الإنسان إلى شيء فيقف له الحظ حائلاً بينه وبين بغيته تماماً كما قال الشاعر:

تجري الرياح ما لا تشتهي السفن"، ولذلك فكثيراً ما يتنكر الحظ للفتى والفتاة على حد سواء فيأخذ الفتى الجيد فتاة لا تليق به وكذلك الحال بالنسبة للفتاة الجيدة فتأخذ فتى لا يليق بها فعندما يقولون ( الله بعطي الحلاوة للي ما لوش أسنان) أو يقولون ( مشنشلات الحلق صيادات النذال) المعنى في أثواب مختلفة ويعزون ذلك كله إلى النصيب والحظ في قولهم ( لا تعتب حبيبك اعتب نصيبك) وقولهم ( غير نصيبك ما بصبيك). فقد يتنكر هذا الحظ لمن يدعي النشاط والاجتهاد كما انه على عداء سافر مع الجميلات المعدلات أحيانا كقولهم ( بخت الشاطر خاطر وبخت العفنة بالحفنه)، وقد يقف إلى جانب الكسولة الخاملة فيقولون ( بخت الرمايم قايم وبخت الزينات نايم) وقولهم لمتعوسة الحظ ( بختها معها وين ما بتمشي بتبعها). حتى أن الوجدان الشعبي ابتكر متخيلاً حديثاً بين انسانة وبختها حيث يقولون على لسانها ( بختي لقاني في الطريق يعرج قال لي ارجعي يا خايبه لارقد) فتقول ( اللي ما الوش بخت لا يتعب ولا يشقى) وتقول أيضا: ( شنصي مبين ع نياعي) وكان لسان الحال المثل يدعو الى الركون والتواكل ولكن من يعرف متى ينهض البخت من كبوته ويستيقظ من غفوته؟ لا أحد ولكن لا يمكن أن يبقى معطلاً إلى الأبد ولذلك فتراهم يأملون ويعملون بدافع الأمل الذي يحدوهم في استيقاظ البخت ولو مرة فينصف صاحبه فلا يأس ولا قنوط لأن هناك مثل آخر يحض الفتاة على انتزاع حظها ولو كان في حضن أختها ( خذي بختك من حظن أختك) لان ( اللي من نصيبك محرم على غيرك) ويقولون ( ماتت أختي من حسن بختي)، وهم يؤمنون بالحظ أيمانا أعمى فيقولون ( اللي الك الك واللي مش الك محرم عليك) ويقولون ( ألف ما بتقطع والف ما بتوصل) كما يقولون للشخص بعد زواجه وخلافه مع زوجته ( جيزة وجوزناك وبخت منين انجيب لك). كما أنهم يؤمنون بالقسمة والنصيب التي لا خلاف بينها وبين الحظ في المفهوم الشعبي من حيث الدلالة فيقولون للمراة التي بتنكر لها الحظ ( ع بخت الحزينة سكرت المدينة) ولعل أقسى ما تتعرض له المرأة في حياتها هو تعاسة حظها في حالة الزواج حيث يعتبرها المثل حزينة في قوله ( اجت الحزينة تفرح ما لقتلها مطرح). ويلعب الحظ دوراً كبيرا في حياة الفتاة التي زفت إلى عريسها وجلست تنتظر قدومه وإذا بهادم اللذات ومفرق الجماعات يخطفه فيقولون ( بتكون ع مجلاها ما بتدري مين يتولاها) فيقولون ( المقدر ما بتودر) فمهما حاذر الإنسان ليبعد القدر فلن تستطيع إلى ذلك سبيلا فيقولون ( لا ينفع حذر مع قدر). وإذا وقع الإنسان في حالة كتلك فما عليه إلا أن يصبر ( صبر أيوب ع المكتوب) لان ( اللي بصبر بنول) كما أن ( الصبر مفتاح الفرج) وكثيراً ما يشعر الإنسان بالضيق الشديد نتيجة لحظه التعيس فيقولون له معزين ( ما بتضيق إلا بتفرج أو ما يعقب الضيق إلا الفرج)

وهكذا تبدو الأمثال قوانين صارمة أو نصائح لازمة تحدد تلك المعايير والمقاييس عند اختيار الزوجة أو الزوج ومن حسن الحظ أن تلك المعايير قد بدأت تتهاوى أمام ضربات معول التقدم الحضاري وقد تلاشى الكثير منها، وان البقية الباقية منها، طريقها إلى الضمور أو الانحسار في فئة قليلة من الناس الذين ما زالوا يعيشون على هامش الحياة وان الزمن لكفيل بالقضاء المبرم على تلك الحفنة من التقاليد بين الذين يحكمون العرف والعادة أكثر من تحكيمهم للعقل والمنطق والحق متخذين منها قوانين وضعية متناسين أن هنالك قوانين سماوية نقلية، الأخذ بها والالتزام بمضمونها فيه السعادة كل السعادة، لأنها ليست من وضع البشر। أما عملية الاختيار التي تتضمن في الغالب موقفاً ايجابياً من طرف الشخص الذي يمارس هذا الاختيار وبين الموافقة التي تعكس موقفاً سلبياً لا يمارس فيه الموافق أدنى حرية في العمل ليبدو فيها الفتى والفتاة اسيرين لا يعرفان بعضهما بعضا وان كان الفتى قد ملك بعض الحرية في موافقته على الاختيار فإن الفتاة غالباً ما كانت محرومة من تلك الحرية فحين يتقدم لها خاطب ولا تعرف منه سوى اسمه ومركزه وغناه مما يجعل موافقتها على ذلك وليست على الشخص ذاته بأخلاقه وصفاته وعقليته وهي الصفات الأكثر أهمية بالنسبة للعلاقة الزوجية ومن هنا تكون موافقة الطرفين على العملية موافقة زائفة، لأن الحرية القائمة على جهل بالموضوع أساسا لا تمثل إلا تزييفا للحرية وتضليلاً للخطيبين مما يجعلهما في موقف يغلقه ضباب التزييف الاجتماعي ورغبة العائلتين الملحة في إتمام صفقة الزواج. المدير الذي فرض على الطرفين تلك كانت معايير الاختيار التي تؤخذ بعين الاعتبار عند مجرد التفكير في الزواج من قبل الفتاة أو الفتى والأصح من قبل أهلهما الذين يقع على عاتقهما الاختيار فكيف يتم ذلك الاختيار؟


http://www.najah.edu/index.php?news_id=5461&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment