Monday, December 14, 2009

بعض التوجهات في تربية الطفل في المجتمع الفلسطيني

بعض التوجهات في تربية الطفل في المجتمع الفلسطيني

إن تربية الطفل في مجتمعنا الفلسطيني، كغيره من المجتمعات، عملية حساسة جدا لأن نتائج هذه التربية وآثارها لا تنعكس على حياة الطفل وحده، بل أن آثارها الإيجابية أو السلبية تنعكس على حياة الأسرة وسمعتها لسنوات طويلة، وتمس بآثارها الأقارب والأصدقاء بل ربما تمس القرية بأكملها على مدى عدة أجيال، وهناك العديد من الأمثال التي تسري بمثابة القانون العرفي في المجتمع "البيظة عللي ببيظها" و"ثلثين الولد لخاله" و"طب الجره على ثمها بتطلع البنت على أمها" و"فرخ البط عوام" و"بنت الفارة حفارة" و"بنت الخواضة خواضة" و"عمره ما طلع من النتش يواصيل". أمثال كثيرة نستخدمها دون أن نعتبر سنة التطور والتغير، وآثارها في عطاء جديد يختلف عن الأصل.

وفي الأقوال الشعبية الدارجة الكثير من الشواهد على الآثار السلبية لتربية الأولاد وتحميلها لأقاربهم وذويهم "الحق مش عليه على اللي مربيه"، "ويلعن أبوك ويلعن اللي ربوك"، "ويلعن تربياتك" "يلعن أبوك اللي مش مربيك أي ما هو الولد العاطل يجيب لأهله المسبة". أما النواحي الإيجابية فلها نصيب أيضا في الأقوال الدارجة "خذوا بنات الساس والراس والعلا: خذوا بنات الخيرين المناصب"، "والله إنها بنت أجاويد وترباية أجاويد"، "ابن الساس لا تخاف منه برده أصله".

إن تربية الأطفال في المجتمع الفلسطيني تقوم بداية على العناية بصحتهم من جميع نواحيها كما تقوم بعد ذلك على العناية بأخلاقهم وسلوكهم، ويشترك جميع أفراد الأسرة من الجد والجدة والأب والأم والأخوة والأخوات في تربية الأبناء وتنشئتهم خاصة في الأسرة الممتدة والتي كانت سائدة حتى الستينات وترتكز التربية على محورين أساسيين: التربية الاجتماعية والأخلاقية.

أولا: تربية الطفل الصحية:

تعتبر تربية الذكور صحيا في نظر الكثير من الوالدين أصعب بكثير من تربية الإناث في مجتمعنا الفلسطيني إذ ينال أضعاف ما تناله الأنثى من العناية والاهتمام، ولا غرابة في ذلك إذا عرفنا أن المجتمع العربي هو مجتمع رجال ينال فيه الرجل من الأهمية الشيء الكثير، حيث أن الجهود المبذولة في العناية بالذكور أكثر بكثير من الجهود المبذولة في العناية بالإناث عند معظم الأهل- وإن كنا نرى تغيرا في هذا الموقف- ونرى ذلك في بعض الأمثال الشعبية: "تربية الصبيان مثل قرط الصوان"، "ما شفتك يا نون إلا لما تقلعن العيون".

فالذكر في الأسرة ينال جل اهتمامها لأنه عنوان بقائها واستمرارها ووجودها، فالأسرة التي لا تنجب الذكور لا تعتبر أسرة كاملة في المفهوم، فيقال عمن لا ينجب الذكور عند موته: "يا كشيله اتسكرت داره" "راح بلا خلفه الله يساعده". فإذا مرض الذكر يحمل إلى الطبيب رأسا، تقول إحدى الأمهات:" الوالد بس يسخن رأسه بنوخذه ع الدكتور"، كما وتنذر امه عنه النذورات بمجرد مرضه فنسمعها تقول: "نذر عليه إن طاب لأذبح سخل وأفرقه على الفقرا"، ويقول المثل في ذلك:"ربيتك يا ولدي كل شبر بنذر" وينذرون النذورات رغم معرفتهم أن هذا لا يجدي نفعا "ابن النذورات وجود السحورات ما ينفعش". أما إذا مرضت الأنثى فلا يهتمون بمرضها فبعض الآباء يقولون: "لو تدقوا رأسها بحجر ما بصيرش فيها شيء" و"البنت مثل البسة بسبع أرواح" "والله لو تدبها عن ظهر الحيط ما يصير فيها اشي"، "لا تخافوش عليها ما هي بنت" ولكننا نرى اليوم قلة شيوع هذه الأقوال والأمثال وقلة الأخذ بها.

إن الاهتمام وبنظافة الطفل يشكل جزءا هاما من جوانب الاهتمام بصحته، وذلك حتى يبعدوا عنه الأمراض كما يهتمن بأكله وطعامه، فمن مدة الرضاعة يقولون: "البنت سنة وأجرك الله، والولد سنتين ولا أجرك الله". وتهتم الأم المرضعة بإطعام ابنها أكثر من ثلاث وجبات يوميا فهي تترك عملها إذا صاح، ولا تلقي الأنثى نفس الرعاية إذا صاحت أو بكت، فنسمع بعض الأمهات يقلن: "إن شا الله بتنسطح تخلص شغلي وبطعيمها" " لا ذاقته هاذي بدها يظل بزي في ثمها". وبعد الفطام بالحصة الكبيرة للذكر ويطلب منها دائما الاستزادة من الكل حتى أن الأبوين يطعمانه حصتهما كلها أو جزءا منها "أطعم ابنك وأكرمه بتلاقي مين يحترمه" "اللي بوكله ابنك آخرته بطلعه"، اما البنت فلا تعطى أي اهتمام في طعامها "توكل والا لا ذاقته" "الأكل فيها خسارة ما هي اخرتها طالعة" "أنا بدي أرببها لغيري".

وتهتم الأسرة جميعها بتربية الذكور وتميزهم على الإناث فمن صغر الذكر يفهمونه أن عالمه هو الأقوى فيشجعونه على قتال أخواته الأكبر منه والأصغر حيث يقول بعض الآباء: شد في شعرها، أبطحها، أذبحها، كما يعلمونه مقاتلة أجياله ومصارعتهم ويعطونه الجوائز إذا فاز ويعلمونه فنون الرياضة الشعبية مثل "العرقلة وأخذ الأباطين عند المصارعة، ويعلمونه ألعابا أخرى كالجري والقفز والفروسية باستعمال عصا طويلة بدل الفرس واستزادوا اليوم بتعليمه بعض حركات الكاراتيه. يكون للبنت نصيب في هذا النوع من التربية فيطلبون أثناء السهرة مع الجيران من الأطفال الذين من نفس الجيل أن يتقاتلوا إذ تقول الأم لابنتها شدي في شعرها". أو غير ذلك من الألفاظ المشابهة، ولكننا نرى اليوم أن عملية التمييز بين الذكر والأنثى قد قلت إلى حد كبير فنجد أن بعض الآباء والأمهات يهتمون بالبنات اهتماما كبيرا قد يفرق اهتمامهم بالأبناء في بعض الأحيان.

إن الاهتمام بصحة الطفل يدعو الأسرة للاهتمام بنظافته ومراقبته أثناء اللعب ليبعدوا عنه كل ما يؤثر على صحته فيوجهون إليه النصح قائلين "اصحى تلعب بالتراب" "تلعبش في السكين" "تلعبش في النار " ويلبسونه المريلة عند الأكل ويوبخونه على عدم نظافة ملابسه، فيقولون: ليش القع، "ليش موسخ أواعيك" و"يطلبون منه أن يغسل يديه ووجهه قبل الأكل وبعده"، وأن يمسح العرق عن جسمه بعد اللعب، ويشجعونه على كثرة الاستحمام ويلقبون من يظهر مخاطه في أنفه "أبو البرابير" "بوكل في برابيره" كما يطلبون من الأطفال إزالة القذى عن عيونهم وطرد الدبان عنها، ويوجه الطفل لعدم المشي حافيا "حتى لا تتشقق اكعابه أو يطبعه الشوك والمسامير".

ثانيا: تربية الطفل الاجتماعية والأخلاقية:

تقوم التنشئة الاجتماعية للطفل على تربيته ضمن مفاهيم المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده، وهذه مجال اهتمام العائلة الواسع لأن "من شب على شيء شاب عليه" وحيث تؤثر هذه التنشئة على الطفل سلبيا أو إيجابيا، وبالتالي فإنها تؤثر على حياة الأسرة وسمعتها على مدى أعوام طويلة.

1- وأهم المثل والقيم التي تحرص العائلة على غرسها في الطفل هي قيمة الشرف خاصة بالنسبة للإناث حيث تكون هذه القيمة محور اهتمام العائلة جميعها لأن شرف البنت لا تتحمل نتيجته البنت وحدها، وإنما يؤثر أعظم التأثير على حياة الأسرة جميعها ولعدة أجيال، والبنات من حيث الصفات الخلقية:

أ‌. أصيلة مسنسلة "وجايا على أمها وعماتها وخالاتها" و"بنت الحرة ذهب في الجرة" "وإن سبقوك على الزين أسبقهم عالأصل" وتشير الأغاني التالية إلى ذلك بوضوح

هي إيه وإحنا ما نعد المال على الحصيرة

هي إيه وإحنا ما عجبنا الزين اجينا ع الأصل جينا

هي ايه وإحنا نعد المال في الصينية

هي وإحنا ما عجبنا الزين اجينا ع القرمية

** * * * * *

هي اية وارفعي راسك يا مرفوعة الرأس

هي اية لا فيك حوفة ولا مقالة الناس

هي اية وروحي لبيك على الديوان قولي له

هي ايه واحنا خواتك ذهب والناس لباسي

* ** * ** * **

هي اية وارفعي كمك

هي اية يا فاخرة مثل أمك

هي اية وأبو زيد خالك

هي اية والهلال عمك

ب‌. والنوع الثاني البنت غير الأصيلة واللي طالعة على أمها وخالاتها أو جداتها" "اللواتي تحدث عنهن أهل القرية بالسوء وعندما تردد الأمثال الشعبية التالية: "فرخ البط عوام" "ع سابع جد اتجيب إحصان إبرق" "بجرها أصلها" "بنت الفارة حفارة" "بنت الخواضة خواضة" ، "ما تخافش من القبحة خاف من بينتها".

ولأهمية قيمة الشرف تقوم الأم من يوم ولادة الأنثى بتغطية جميع أجزاء جسمها ولا تسمح حتى لأخوتها الصغار أن يحضروا حمامها أو يحضروا أثناء تغيير الأم لملابس الأنثى، وعندما تكبر الأنثى يزداد اهتمام الأم بابنتها من هذه الناحية، فتحرص دائما أن تلبسها السروال والثياب الطويلة التي تغطي جسمها، وعندما تبدأ البنت تعي تفهم تنصب عليها عبارات النصح والإرشاد الشديد من الأهل جميعا: "اصحي الأولاد لعبوا عليك" "اصحي توري عيبك للأولاد" "اصحي الولاد يحكوا الك حكي عيب" "اصحي تلعبي مع الولاد". ويلقبون من تعلب مع الأولاد "حسن صبي" وإذا ظهر أي جزء من جسمها يصيح بها الجميع "غطي عيبك"، حتى أن جلوس البنت بطريقة غير لائقة كأن تفتح رجليها أثناء الجلوس هو عيب فيقال لها: "اقعدي مليح وظبي أجريك" وممنوع على الأنثى أن تنظر إلى زبرة أخيها الصغير ":ديري وجهك لا تبحريش ع عيبه" وممنوع عليها أن تستمع لأي حديث يتناول قضايا لا أخلاقية حصلت في القرية. كما تستخدم الأم سلطة الأب في تخويف ابنتها في هذه القضية فنسمعها تقول: "تيجي أبوك والله لخليه يموتك من القتل "غير اخلي أبوك يبحش لك قبر" وتروي لها قصصا خيالية عن قضايا لا أخلاقية: "مرة في بنت باقية تلعب مع الأولاد ولعبوا مع بعض عريس وعروس، وأجا الولد الصغير وكشف عن عيب البنت وشافه ويوم عرف أبوها أخذها عالخلا وبحش إلها جورة وحطها فيها وماتت". وبعد سن الرابعة تبدأ الأم في الفصل بين الإناث والذكور في اللعب والجلوس وبعد الخامسة والسادسة ترشدها لمسلكها في الشارع أثناء ذهابها إلى المدرسة أو الدكان فتقول لها: اصحي تبحري وأنت ماشية وراك" "اصحي تحكي مع الأولاد وأنت ماشية" والأم بذلك تسترشد في توجيهاتها تلك بالأمثال الشعبية الدارجة "إن ضحكت وبين سنها ألحقها ولو كانت في حضن أمها" "البنت اللفوت عندها فوت"، كما وتبدأ الأم بحث ابنتها على عدم الذهاب إلى الجيران الذين كانت تلعب معهم مسترشدة ببعض الأمثال الشعبية: "بيتي قبري وعيشي صبري" "من بيت أشكع لبيت أركع" "من بيت شطني لبيت لطني" "طلعت المستحية من الصبح للعشية".

اما دور الأب في ذلك فهو أن الأم تستخدم سلطته كوسيلة للتخويف من اجل ضبط سلوك الأنثى ويشارك الأم في تعليم وتربية البنت من ناحية الشرف، وتكون توجيهاته بصورة أقصى من الأم، كما يهددها كالأم إذا لعبت مع الأولاد، أو أن يضحك عليها أحد ويقول المثل الشعبي" البنت اللي ما بتستحي من أباها لا فيها ولا في رباها" ونفس الدور يقوم به الأخوة والأخوات، ولكن دور الأخوة أكثر فهم يرافقون أخواتهم عند ذهابهن إلى دور الأقارب أو الأخوات المتزوجات، ويراقبون من بعيد أخواتهم أثناء سيرهن في الشارع، ويرشدون أخواتهم بأسلوب شديد بأن لا يلتفتن خلفهن أثناء سيرهن، وأن يقلن له عن أي ولد يحاول أن يتكلم معهن في الطريق.

ويشارك المجتمع أيضا في المحافظة على الشرف، فالجميع يتدخل إذا وجدوا أنثى وذكرا يتقاتلان في الطريق ويتدخلون طبعا لصالح الأنثى ضد الذكر فإن سياجا من الحذر والحيطة يحيطان بالأنثى محافظة على شرفها وأخلاقها.

كما أنهم يحافظون على الذكر كثيرا ويخافون على سمعته.

2- من القيم الأخرى التي يعمل الأهل على غرسها لدى أطفالهم آداب السلوك العام، كاحترام الأب والكبار فالأم تربي أبناءها ذكورا وإناثا على احترام الأب "فتقول لابنها: "بوس، بوس أيد أبوك" "قول لأبوك مع السلامة" "هاتي وسادة لأبوك" "هاتي لأبوك الكندرة" "صب مية على أبوك خليه يغسل" ونفس الدور يقوم به الأخوات والأخوة الكبار والجيران والأقارب والمجتمع. ويقوم الأب بتعليم الذكر على احترام الكبار فهو يأخذه معه بعد سن الثالثة إلى الدكان أو الساحة أو الجامع ويطلب منه أن يحترم أقاربه قائلا: "سلم على عمك" "بوس أيده" وإن جلس الطفل على كرسي وجاء كبير: "قوم خلي عمك يقعد" وإذا أراد الكبير أنه يشتري حاجة "قوم جيب لعمك بكيت دخان" "قوم جيب لعمك يشرب" والدور الذي يقوم به الأب يقوم به الأخوة الكبار أيضا فيطلبون من الصغار خدمة الكبار ورعايتهم "هات لبوي الكندرة" "قوم قعد عمك".. الخ.

3- ومن القيم الأخرى قيمة التعاون: فالأم تطلب من الأنثى أن تساعدها في عمل وتعلمها العمال المنزلية فتقول لها: "ناوليني الغلاية" "قشري بطاطا" "هاتي الجونة" "ناوليني الطبق". كما وتعد الأم ابنتها لأعمال المستقبل تضع لها قليلا من العجين في لجن وتطلب منها أن تعجن، وتضع لها ثياب أخوتها الصغار في طشت وتطلب منها أن تغسل كما تطلب منها أن تجلي أواني المطبخ، وعندما تكبر تعلمها كيف تطبخ بعض الأطعمة الخفيفة التي لا تحتاج إلى مهارة تعمل السلطة أو طحن الحمص، وقلي البيض أو سلقه وعمل الشاي وغلي الحليب، وغير ذلك من الأعمال البسيطة التي تحتاج إلى مهارة وفن. أما الأب فيظهر دوره هنا بالنسبة للذكور أكثر فيأخذ ولده معه إلى الأرض ويعلمه إزالة الحجارة الصغيرة وجمع الأعشاب من وراء المحراث والنكش بالمناكيش الخفيفة وغزالة الشوك من تحت الأشجار وتكسير قطع التراب الكبيرة ونفس الدور يقوم به الأخوة والأخوات الكبار في تعليم أخوتهم على التعاون والعناية بالمنزل والمشاركة في أعماله.

4- ويحرص الأهل على تربية أبنائهم على العديد من القيم المرغوبة في المجتمع، كما أن قيمة الكرم هامة في المجتمع الفلسطيني، ويربي عليها الأطفال، فيطلب الأهل من الذكر والأنثى أن يطعم أولاد جيرانه أو أصدقائه الذين يزورونهم "أطعميه من الكعك" "روحي جيب له فستق" "أطعميه خبزة" "أسقيه من حليباتك" ويهزأون من الطفل الذي لا يطعم أقرانه فتسمعهم يقولون: "والله بخيل" "ابصر عمين طالع" "طالع على فلان أو فلانة" "رايح يطلع قرموط" "أيده ماسكة".

5- قيم الصدق والأمانة من القيم التي يهتم بها الأهل كذلك فعند كل مشكلة بين طفل وآخر يحقق الأهل معهما ويطلبون منهم أن يقولا الحقيقة ولا يكذبان ويخوفوهما بالنار، فتسمعهم يقولون لهما: "اللي بكذب بطيح النار" "اللي بكذب الله بموته" وبالنسبة للأمانة يوصون أبناءهم بعدم السرقة "اللي بسرق بطيح النار" "اللي بسرق بتنقطع يده".

6- كما يهتم الأهل بتربية أبناءهم تربية دينيه على مسامعهم التوجيهات التالية "لا تسب الدين" "اللي بسب الدين الله بموته". كما ينهرونه إذا سب الله أو الدين "الله يقطع لسانك" "دينك ما يعينك" "الله يلعنك" ويشارك المجتمع أيضا في غرس احترام الدين في نفوس الصغار فإذا سب الطفل الرب أو الدين في الشارع يقول له من يسمعه "الله يلعنك" "ليش بتسب الدين" "الرب شو خصه" ويقوم الأهل أو المجتمع في كثير من الأحيان بضربه إذا سب الدين، وعند الأهل المتدينين يقومون بتعليم أبناءهم الصلاة ويشجعونهم على الصيام من سن الخامسة أو السادسة. ويعلمونهم أن يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" عندما ينهض من النوم صباحا وغير ذلك من الواجبات الدينية البسيطة التي يستطيع الطفل القيام بها، ويأخذ الأب طفله معه إلى الجامع أيام العيدين أيضا ويأخذه معه إلى المقبرة ليقرأ الفاتحة عن روح أمواته.

7- ويهتم الأهل بتربية أبناءهم على آداب المائدة مثل، "قول بسم الله الرحمن الرحيم قبل ما تبدأ توكل" و"قول الحمد لله رب العالمين يوم تشبع" "كل أمليح، لا تشروطش لا تنقطش ع اواعيك" "كل من قدامك عيب توكل من قدام الناس، غسل قبل الأكل وبعده" "تربع".

إن دور الأهل لا يقف في تربية الأطفال عند حد توجيه النصح إليهم بل يتعداه إلى العقاب لمن يسيء السلوك، فيقومون أي مسلك سيء يبرز منهم، إن كان في البيت أو الشارع ويستغلون كل فرص سانحة لتقويم سلوك الطفل وأخلاقه، ففي داخل البيت يطلبون من الذكر أن يصب الماء على الضيوف لغسل أيديهم بعد الأكل، يقدم الذكور لهم القهوة والشاي مع تعليمه العادات المتبعة في ذلك، فعند تقديم القهوة "أعطي عن اليمين يابا من هون دوريه" وعند تقديم الشاي "أعطي الختيار وابدي دايما في الكبير واللي بعده وآخر شي الصغير" ومن الآداب الأخرى "لا تخبطش في الكندرة ع الفراش" "اشلح كندرتك لما تعبر الدار وحط الكندرة ع العتبة" ويطلبون منه عدم القيام بمشاكل في البيت مع أبناء الجيران، فنسمعهم يقولون له "العبوا إخوة إخوة" "اصحوا تضربوا بعضكم" "ليش قايم الدار ع راسك" "بلاش صياح". وفي المساء يطلبون منه أن ينام مبكرا "قم نام يما أنت عيب تظل سهران مثل الكبار" "السهر مش مليح الك".

أما خارج البيت فيشترك المجتمع في تقويم سلوك الطفل وتعليمه عادات المجتمع فإذا مر رجل على أطفال وهم يلعبون في الشارع يقول لهم: "لا تلعبوش في الشارع بدهسنكم السيارات" وإذا كان معهم المغيطة فيقول "صحوا تيجوا في بعض والا تيجوا في قزاز الدور" و"ديروا بالكم أنتوا تمغطوا" وأثناء اللعب العصي وغيرها "اصحوا تقلعوا عينين بعض" و إذا اقترب طفل من مجلس جماعة "ابعد يا شاطر عيب عليك تتنصت ع حكي الزلام","روح العب مع جيلك"وإذا سب طفل رجلا اكبر منه قيل له"يلعنك و يلعن أبوك اللي مش مربيك, عيب عليك يا شاطر تسب علي أكبر منك".

إن الحديث عن تربية الأطفال يقودنا إلى الحديث عمن يرث الطفل أخلاقه وصفاته و ما هو أثر الأصل والوراثة فيهما وما أثر التربية كذلك، فمن ناحية الصفات الجسمية فالحاضرات يوم الولادة يبدأن بالتكهن بصفات المولود وعمن ورثها فنسمعهن يقولن: " جيبتي ولد مليح طالع عليك" "طالع على أبوه" "ثمة من الذان للذان ع خاله" "ثمة طول شراع ع أبوه". ما شاء الله عنها بنت مقطمة على ستها" وبعد أن تعطي الحاضرات هذه الصفات السريعة من أول نظرة يبدأن يتفحصن المولود جزءا جزءا. فالذكر ينظرن إلى خصيتيه فإن كان لونها يميل إلى اللون البني يقلن أنه سيكون أبيض اللون، أما إذا كان لون الخصيتين أسمر فيقلن الطفل سيحمل لون السمار، وكذلك ينظرن إلى شعر الطفل وغالبا ما يرددن لون سمار الشعر إلى أن يكون الطفل أبيض. أما لون العيون فيرددنه إلى فلانة قائلات "ما شاء الله عينيها مثل عينين الشنارة" "والله عينيها زرق طالعة لستها" وكذلك الحال للأنف فيقولون: "والله منخارها قد الكبة مثل مناخير سيدها" والجبهة "والله جبهتها صغيرة" "جبهتها كبيرة بتحرث الحراث يوم" وبالنسبة للطول فيتعرفون عليه من طول رجليها، فان كانت طويلة فسيكون الطفل طويلا وبالعكس "رايح يطلع أزعر على سيده طول أجريه فتر"، ومع كل هذه الأوصاف والصفات التي تنعت بها الأنثى عند ولادتها قليلا ما يهتمون بصفات الذكر، "لأنه ولد ما يهمش" "ما هو ولد مش رايح يبور" أما الأنثى فجمالها مهم حتى "لا تظل من خدامين أهلها" وقعوة الدار" "ومن قعادات الدار" إلا أنهم يعترفون أن هذه الصفات ليست نهائية "لأن الولد في الأربعين كل يوم بخلقه" الولد في الأربعين يوم يتغير أربعين مرة" "إن كان العيب من الصنديجة بتنقيها الغرة المليحة" وعن الأنثى "إن كان العيب من الصنديجة بتنقيها القذلة المليحة". وعن كبر الفم للذكر "إن كان عيبه من ثمة الشوارب بتلمه"، وعن الأنثى قالوا عنها صغيرة قلت من الدلال بتكبر قالوا عنها بيظة قلت الجبنة للعصر، قالوا عنها سمرة قلت القهوة كيف"

أما بالنسبة لأخلاق الطفل فالبعض يردها إلى الوراثة والآخر إلى التربية، إلا أن عامل الوراثة يظل هو الأقوى في المفهوم الشعبي كما يبدو ذلك جليا في الأمثال الشعبية "الديك الفصيح من البيضة بصيح" "العرق دساس" "أبعد عن الزين ودور على القرمية" "البياض ع الحجار دور ع الأصل" "خذوا بنات الساس والراس والعلا خذوا بنات الخيرين المناصب" "خذها أصيلة مسنسلة" "هذي أمها شريفة والله لو تنام بين طابور عسكر ما بتخاف عليها" "بنت الرجال ما بتستحيش من الرجل" "اللي أصله كلب بعوي" "عمره ما طلع من الزحلان فارس" "عمره ما بيطلع من النتش يواصيل" "الخال طوبار" كما ترد الأم صفات الأنثى السيئة إلى عماتها "البنات من صدور العمات" بينما يردها أهل الزوج إلى الأم والخالات "بنت الفارة حفارة" "جابها شرش الخالات". إلا أن لهذه القاعدة شواذ ومن شواذها "جمل خلف بعره" "النار بتخلف رماد" "زرده من ورده"، اما عملية التربية فلها الأثر الهام أيضا في تكوين شخصية الطفل المستقبلية "فذنب الكلب بتظل عوجة لو تحطها في مية قالب" وكذلك الولد يحافظ على ما اكتسبه من صفات وتربية "اللي فيه فيه لو قطعوا أيديه"، والمرأة تعترف بان التربية هي الأساس "ابني عما ربيته وجوزي عما ظريته" وكذلك المجتمع يقول "طبعه بطبع اللبن ما بغيره غير العقدة والكفن".

وكما أن الوراثة والتربية تؤثر في أخلاق الطفل وصفاته فإن سن الأبوين عامل مؤثر في حياة الطفل، فابن الختيارية يختلف كثيرا عن ابن الشباب من حيث صفاته الجسمية والخلقية، والمقصود بابن الختيارية من كان والده كبير السن فمن صفات ابن الشباب أنه وافي، بطلع أسنانه بكير "فالح" كما يقول المثل الشعبي "كل بدري من المال فالح" ويصفه الناس بأنه سريع الحركة مثل عزرين" ما في واحد بقدر يرميه الأرض، مشيته مثل الحصان، مشيتها مثل الفرس الأصيلة "الدم بده ينط من خدوده، قوته بتهد الجبل، بترميه عن ظهر الحيط بيجي واقف حزق، "بوقف بدري عمنه مش ابن ختيارية، وبحبي وبمشي بدري "ودم الشباب بمشي فيه" أما ابن الختيارية فصفاته الجمسية أنه "مكرعش" مكعوش قد اللقيطة، يقع إذا أتعثر، بصرارة ما فيش فيه دم، مقطوع في الحليب، يا كشيل أبوه راح بلا خلف".

أساليب التربية الشعبية:

بعد الحديث عن القيم التي يركز عليها الأهل في تربية الطفل في المجتمع الفلسطيني سنتحدث عن الأساليب والطرق المتبعة في التربية الشعبية وهي في رأيي ثلاثة أساليب:

1- أساليب صارمة:

تقوم على أساس السلطة الصارمة للأب والأهل والكبار في البيت على صغاره وتعتمد على الضرب للطفل "اضرب ابنك وأحسن أدبه ما بموت إلا ما أجا أجله" أو تخويفه بوسائل التخويف المعروفة وهي إما التهديد بالضرب "أنصت ولا بضربك" أو التخويف بالحيوانات أو الأشخاص أو الأشياء الأسطورية مثل بجبلك البعبع، الظبع، الكلب، الحية، الهمامية، يما البس، بنادي الك شيخ المطر، بجيبلك أبو رجل مسلوخة، بجيلك الشيخ أبو لفة، بنادي الك الدكتور يدقك ابرة، وينطلق الأهل في هذا الأسلوب من مفهوم "الولد ما بتوراش وجه" "ابنك عما ربتيه وجوزك عما ظريته" "مثل هؤلاء الأطفال يقول الناس عنهم "والله أبوهم مصرصعهم". "ما حدا منهم بقدر يلوي ذانه" "حراج على واحد يتخنفس في البيت" "والله البيت مثل السجن".

2- أساليب متراخية:

وينقسم هذا الأسلوب إلى قسمين أحدهما يقوم على اللامبالاة وعدم الاهتمام بتربية الأبناء، وترك الطفل لأهوائه دون اكتراث من الأهل بتربيته وهو ما يعبر عنه الناس "داشرين" "على روسهم" "ما فيش حدا ظاببهم" وهو ما يعبر عنه المثل الشعبي اللي ما بعلمه امه وأبوه بتعلمه الأيام والليالي" "اللي ما بتربيه الحكام بتربيه الأيام" أما الآخر فيقوم على تدليل الطفل وهنا أيضا تختلف عملية التربية فيدلل الذكر، الأنثى وحيدة أخواتها، الولد البكر، تالي العنقود، "ولد بعد عدة بنات" ولد بعد عدة زيجات، ولد وحداني، أولاد الأغنياء، ابن الختيارية، أبناء العائلات، وابن العازة، فالذكر يدلل، فالمثل الدارج يقول: "المدلل غالي ولو أنه جبالي" "دلل ابنك يغنيك، ودلل بنتك بتخزيك" وعلى لسان الذكر يقولون "دللوني مالكم غيري بيعوا الحان واشتروا لبان" وعن ابن الختيارية يقولون "ارغيف في باطية"، "قطف في عب دالية" ابن الكبر والشيب إن ادلل مش عيب" وعن الولد الوحداني على لسان امه وأبيه "نبحر عليه مرة وع ربنا مرة" وعن تالي العنقود يلقبونه "قريد العش" وعن أبناء العائلات "هذا مدلل"، ابن عائلات" أما البنت المدللة فتلقب "ست أخواتها" "حبيبة أمها" "حبيبة أبوها" وتغني لها الأم:

هذي البنت وهذي الست

وهذي أخير من الصبيان

جايبه لأمها الغنيمة

لو إنها من بلاد السودان

* * * * * *

هذي البنت وهذي الست

وهذي أخير من الصبي

جايبه لأمها وأبوها الغنيمة

لو أنها من بلاد النبي

أساليب التربية الوسطية:

وتقوم على أساس التوفيق بين مفاهيم الأهل أيام طفولتهم وبين متغيرات العصر الحضارية ومحاولة التوفيق بينهما. "يعطيهم الحرية بس عند حدود" "القتل اليوم بنفعش لازم تحاول تفهمه" "القتل للدواب" "القتل بخليه يبلد" "احرمه من مصروفه"، وفي هذه الحالة غالبا ما تتفق العائلة بغمزة أو إشارة متفاهم عليها بينما أحدهم يشد والآخر يرخي، الأب يتوعد ويهدد والأم تقول المرة سماح تاني مرة بتوب، مش رايح يعملها مرة تانية، ويحاولون أن يأخذوا موافقة الابن على التوبة والندم والاعتراف بالذنب.

وبعد فهذا عرض سريع لأساليب التربية في المجتمع الفلسطيني والقيم التي يحرص الأهل على غرسها لدى أبنائهم ذكورا وإناثا، وأنا أرى أن هذه الأساليب وهذه القيم تحتاج إلى دراسة علمية ولهذا أرجو من الأخوة المختصين بأساليب التربية وعلم النفس أن يقوموا بدراسة أساليب التربية الشعبية في مجتمعنا الفلسطيني، ليضعوا أيديهم على مكمن الداء في هذه الأساليب لتجلو عنها الصدأ، ونثبت ما يجب تثبيته من هذه الأساليب ونتخلص مما لا يتوافق مع القيم الأساسية في مجتمعنا، ولنثبت للعالم أجمع أننا شعب له قيمه العالية التي توارثتها الأجيال، والتي يجدر بنا أن نواصل التمسك بها وتنشئة أبنائنا وفقها।


http://www.najah.edu/index.php?news_id=5481&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment