Monday, December 14, 2009

الفلكلور

الفلكلور

ما هو ؟

د. شريف كناعنة

يستعمل مصطلح " فولكلور " للدلالة على شيئين مختلفين أولهما " حقل " آو " علم " من العلوم الإنسانية يختص بدراسة جانب معين من ثقافة المجتمع الإنساني والثاني هو تلك " المادة " أو ذلك الجزء من الثقافة الذي يختص علم الفلكلور في دراسته. وهمنا الرئيسي في هذه المقالة هو تعريف " مادة الفلكلور " كي يمكن التعرف عليها وتمييزها عن باقي أجزاء الثقافة.

ويجدر بنا قبل كل شيء أن نعرّف " الثقافة " بوضوح اذ ان هناك لبسا كبيرا في استعمالها، فهناك الاستعمال الدارج لهذا الاصطلاح والذي يشير الى العلوم والفنون والاداب الراقية لدى الشعوب والامم المتحضرة. وبهذا المعنى نقول : شخص مثقف وشخص جاهل. وهذا الاستعمال يختلف عن الاستعمال الفني المختص لهذا الاصطلاح في العلوم الانسانية والاجتماعية وخصوصا في حقل " الانثروبولوجيا الاجتماعية " او " الثقافية "،حيث تدل كلمة " ثقافة " على مجموع طرق توافق بين الانسان المتعلمة او المنقولة اجتماعيا، اي ان " ثقافة " جماعة من المجموعات تضم جميع طرق واساليب حياة تلك الجماعة ما عدا ذلك الجزء الغريزي المنقول بالوراثة الجينية البيولوجية. وبهذا المعنى الاخير نستعمل كلمة " ثقافة " في هذه المقالة.

مادة الفلكلور قديمة قدم باقي ثقافة الانسان اي منذ اصبح لدى الانسان مقدرتان، المقدرة على " التعلم " اي الاستفادة من التجربة والمقدرة على " الترميز " اي استعمال شيء او رمز ليدل على شيء آخر او يقوم مقامه. ويمكن ان نبسط الامر فنقول منذ ظهور اللغة التي مكنت الانسان من تجميع المعلومات وحفظها ونقلها من جيل الى جيل دون اللجوء الى تدوينها في الجينات. وهذا يعود الى زمن يمكننا تقديره بما يتراوح بين خمسة الى ثلاثة ملايين سنة.

وقد بدا الاهتمام بالمادة التي نسميها الان " الفلكلور " وتدوينها في مرحلة متقدمة بعد اكتشاف الانسان للكتابة، فالاثار المكتوبة المكتشفة من مصر وما بين النهرين تحوي الكثير من القصص الخرافية والمعتقدات الدينية وغير ذلك. وكتب الرحالة والمؤرخين اليونان وبعدهم العرب تحتوي الكثير من القصص والمعتقدات والعادات والتقاليد واساليب الحياة لدى الامم والشعوب المختلفة. كذلك فان كتب ومذكرات الرحالة والمغامرين والمكتشفين والمبشرين والتجار الاروبيين في بداية العصور الحديثة تحتوي مجموعات كبيرة من فولكلور الأمم غير الأوروبية. في جميع هذه الحالات دونت مادة الفلكلور بين ما دون ولم تعامل كمادة مستقلة لها المواصفات او الاهمية ما يميزها عن غيرها.

لقد استعمل اصطلاح " فولكلور " والمكون من مقطعين الاول : " فولك " بمعنى عامة السعب و" لور " بمعنى معرفة او حكمة، لاول مرة سنة 1846 عندما اقترح الانكليزي وليامز ثومز استعمال هذا الاصطلاح كاسم للحقل الذي يدّّرس " العادات، التقاليد، الممارسات، الخرافات، الملاحم، الامثال، الخ للازمنة القديمة. الا ان حقل الفولكلور اي الاهتمام بمادة الفولكلور كجزء مميز عن باقي اجزاء الثقافة كان قد بدا بالظهور في الاوساط العلمية الاروبية منذ ما يقارب نصف قرن قبل هذا التاريخ وتبلورت معالمة بشكل واضح اثناء نصف القرن الذي تلاه حيث ظهرت جمعيات الفولكلور والدوريات المختصة في الكثير من البلدان الاروبية ثم في امريكا.

وقد ارتبط ظهور الاهتمام بالفولكلور بحكرتين فكريتين سادتا في اوروبا في القرن التاسع عشر وهما : الرومانسية والقومية. ويمكننا أن نلخص العلاقة بين الحركات الثلاث : الفلكلور،الرومانسية والقومية مع الكثير من التبسيط كما يلي : ان الحركات التحررية عادت الى الماضي والى الانسان العادي البسيط للتعرف على جذورها واصولها من اجل تحديد هويتها القومية وزيادة وعيها القومي وذلك كجزء من الايدلوجية القومية الرامية الى التحرر القومي.

وكان المهتمون بالفولكلور في اوروبا في القرن التاسع عشر هم قادة الفكر والمتعلمين وافراد الطبقة العليا من المجتمع. وكان فهمهم لمادة الفولكلور واضحا ومحددا ومثقفا عليه بينهم. فقد كان افراد هذه الطبقة يعتقدون انهم اذا ارادوا ان يعرفوا الجذور الثقافية التي انحدروا منها فما عليهم الا ان يجمعوا العادات والتقاليد والاساطير والمعتقدات التي ما زالت منتشرة بين الفلاحين القرويين والطبقات الدنيا في المدن في البلاد الاوروبية نفسها اذ كان من المفروض ان هذه الطبقات ما زالت تعيش وتفكر كما عاش وفكر اجداد الطبقة العليا المتحضرة قبل مئات السنين. وتتمثل صورة الفولكلور كما كانت في القرن التاسع عشر بوضوح في كتابات احد اهم علماء الفولكلور في ذلك العصر اذ يقول :

" هنالك علم، علم الاركيولوجيا، يجمع ويقارن المخلفات المادية للشعوب القديمة مثل الفؤوس ورؤوس الحراب ( الحجرية ). هناك علم آخر، علم الفولكلور، يجمع ويقارن مخلفات تشبه هذه المخلفات ولكنها مخلفات غير مادية للشعوب القديمة، مثل بقايا الخرافات والقصص، وبشكل عام الافكار التي ما زالت تعيش في عصرنا ولكنها لا تمت اليه بصلة. والفولكلور، بمعناه الدقيق، لا يهتم الا بالخرافات والعادات والمعتقدات لدى عامة الشعب، تلك الطبقات التي لم يطرا عليها الاالقليل جدا من التغيير نتيجة التعليم والتي لم تسهم الا بقدر ضئيل في مسيرة التقدم ".

إن المهتمين بالفولكلور في القرن التاسع عشر قصروا هذا الحقل بشكل عام على دراسة الجزء المتلف من ثقافة الطبقات الجاهلة من المجتمعات المتحضرة في البلدان الاوروبية واستثنوا بذلك ثقافة الطبقات العليا من المجتمعات الاوروبية وثقافات الشعوب غير الاوروبية التي نظروا اليها كشعوب متوحشة. ولكن الظروف قد تغيرت منذ الوقت الذي نشا فيه حقل الفولكلور وقيل فيها هذا التعريف الضيق لمادته. فقد انتهت الحركة الرومانسية ونجحت شعوب شمال غرب اوروبا في بناء دول قومية مستقلة. واستقر حقل الفولكلور في جامعت اوروبا وامريكا واصبح حقلا تقليديا مثله مثل باقي حقول العلوم الاجتماعية والانسانية، يصارع من اجل بقائه واستمراريته ومن اجل احتلال حيز اوسع في العالم الاكاديمي. وانتهى الاتفاق بين العاملين في هذا الحقل على التعريف الضيق الذي كان مقبولا في القرن التاسع عشر اذ اخذ علماء الفولكلور يدرسون ثقافة الطبقات العليا والمتحضرة في الريف وفي المدن ويدرسون منها ما هو قديم وما هو حديث كما امتدت دراساتهم الى ثقافات الشعوب الاخرى في جميع نواحي العالم على اختلاف مستوياتها الحضارية. كذلك انتقل علم الفولكلور والاهتمام بمادة الفولكلور من معاقله الاصلية في اوروبا وامريكا الى معظم بلدان العالم فاقيمت الجمعيات والمعاهد الفولكلورية لجمع المادة والاهتمام بها واقيمت الفروع في الجامعات لتدريس الحقل وتدريب العاملين فيه كما انشئت الدوريات المختصة لتشجيع الدراسات ونشرها وتعميم الاهتمام والوعي بقيمة هذا الحقل. وقد جاء بدء الاهتمام بحقل الفولكلور لدى الامم المختلفة ومن ضمنها الوطن العربي تحت ظروف مشابهة لتلك التي افرزت حقل الفولكلور في اوروبا ومن اجل خدمة اهداف مشابهة لتلك التي خدمها حين نشوئه في اوروبا، فقد واكب الاهتمام بالفولكلور حركات اليقظة والتحرر وبناء الهوية والكيان القومي.

لقد انتشر الاهتمام بالفولكلور بين افراد ومؤسسات المجتمع الفلسطيني بعد الحرب العالمية الاولى ودخل مرحلة الاهتمام الجدي بعد الحرب العالمية الثانية وبشكل خاص خلال العقدين الاخيرين حيث اقيمت المهرجانات والاحتفالات الفولكلورية وانشئت المعاهد والمراكز لجمع المواد الفولكلورية وتبوبيها ودراستها، كما انشئت فرق الرقص والغناء الشعبي وادخلت مادة الفولكلور ضمن مناهج التدريس في بعض الجامعات الفلسطينية، وقد نتج عن حداثة ظهور هذا الحقل وسرعة انتشار الاهتمام بالفولكلور وقلة المختصي بين المهتمين والعاملين في الحقل وندرة المراجع، خصوصا العربية منها، محليا، نتج عن ذلك كله خلط وبلبلة في فهم طبيعة الحقل وتحديد افاقة مما يتطلب وضع تعريف واضح ودقيق يمكن الانسان العادي المهتم بهذا الحقل من تمييز المادة الفولكلورية بشيء من الثقة عن غيرها من المواد. فهل مثل ها التعريف ؟؟ متوفر الجواب على هذا السؤال سلبي، اذ ان مثل هذا التعريف غير متوفر ولا اعتقد انه من الممكن توفيره في المرحلة الحالية من حياة وتطور هذا الحقل. فالبلبلة والخلط حول تعريف وتجديد الفولكلور ليست موجودة في اذهان عامة الناس وغير المختصين في بلادنا فقط بل ايضا في اذهان علماء الفولكلور انفسهم في مكان نشوء هذا الحقل في اوروبا وامريكا. فهذا الن دنديز، استاذ علم الانسان وعلم الفولكلور في جامعة بيركلي في كاليفورنيا، واشهر علماء الفولكلور المعاصرين اطلاقا يصف الوضع فيقول : " ليس فقط ان علماء الفولكلور في نفس البلد يحملون وجهات نظر مختلفة جدا حول طبيعة الفولكلور. وهذا الفرنسي يتكلم عن واحد وعشرين تعريفا للفولكلور والتي تظهر في احد المعاجم المختصة بهذا الحقل فيصفها بانها " دليل على الفوضى السائدة في اذهان العاملين في الفولكلور حول حقلهم الذي يدّعون بانه علم ". وهذه بعض نماذج من تعريفات الفولكلور لفولكلوريين معاصرين ندرجها كي يستطيع القاريء مقارنتها ورؤية الفروق بينها بنفسه :

¨ الاستاذ نبيل علقم : " الفولكلور هو مجموعة من المعارف والخبرات والفنون، عبّر الانسان بواستطها عن احاسيسه ورغباته وتجربته، وجعلها هاديا له في تنظيم اموره الحياتية والاجتماعية، ويحافظ المجتمع على نقلها من جيل الى الجيل الذي يليه ".

¨ الدكتور عبد اللطيف البرغوتي، يعرّف الاغنية الشعبية بطريقة تنطبق على مادة الفولكلور كلها او على الفنون القولية منها على الاقل " تلك الاغنية النابعة من الشعب وتصور حياته ويتفاعل معها بصورة عفوية، وليس لها مؤلف معروف في معظم الحالات، ومنظومة باللهجة العربية الدارجة، وترى مشافهة ".

¨ الدكتور محمد الجوهري : " ان علم الفولكلور انما هو علم ثقافي، يختص بقطاع معين من الثقافة ( هو الثقافة التقليدية او الشعبية )". " ان اسم " فولكلور يطلق على التراث الروحي للشعب ( خاصة التراث الشفاهي ).

¨ جوزيف ريسان Joseph Rysan : " يمكن تعريف الفولكلور بانه التجسيم الجماعي للعواطف الاساسية مثل الرهبة، الخوف، البغض، الاحترام Reverence والرغبة من قبل جزء من المجموعة الاجتماعية ".

¨ دان بن اموس Dan Ben-Amos : " الفولكلور، في اطارة الثقافي لايتكون من مجموعة اشياء وانما هو عملية – وبالذات عملية اتصال "، " باختصار، الفولكلور هو الاتصال باسلوب فني ضمن المجموعات الصغيرة ".

¨ الن دنديز : اصطلاح " فولك " يمكن ان يشير الى اي جماعة من الناس، مهما كان نوعها، يجمع بين اعضائها على الاقل عامل واحد. وليس من المهم ما هو هذا العامل المشترك – فقد يكون مهنة مشتركة او لغة او دين – ولكن المهم ان يكون لتلك المجموعة، مهما كان الهدف من وجودها، تقاليد تستطيع ان تدعوها تقاليد ".

¨ وليام باسكوم William R. Bascom : " الفولكلور بالنسبة لعالم الانثروبولوجيا هو جزء من الثقافة وليس الثقافة جميعها. ويضم الخرافات والاساطير والقصص والامثال والحزازير ونصوص الملاحم والاغاني وصيغا اخرى اقل اهمية، ولكنة لا يضم الفن الشعبي او الرقص الشعبي او الموسيقى الشعبية او اللباس الشعبي او الطب الشعبي او العادات الشعبية او المعتقدات الشعبية ".

هذه عينة من التعريفات التي وضعها عدد من المختصين في حقل الفولكلور لتوضح طبيعة وحدود حقلهم. وبامكان المهتم ان يجمع المئات من مثل هذه التعريفات دون جهد يذكر، ولكن هذه العينة كافية لاظهار الفروق بين علماء الفولكلور في فهمهم لحقلهم. ولا ولا اريد هنا ان اقرر ا من هذه التعريفات اصح او افضل، ولا ان اؤيد احدها واضحد غيره فلن يكون في ذلك فائدة كبيرة. ولكني اؤيد للعودة إلى هدفنا الأساسي وهو التعرف على معيار او معايير تمكننا من تمييز الفولكلور عن غيره. هناك اتفاق بين العاملين في الحقل بان الفولكلورجزء من الثقافة، ولكن اي جزء منها؟ وكيف نميز هذا الجزء عن الاجزاء الاخرى من الثقافة؟ ساستعرض فيما يلي عددا من المعايير التي استعملت لهذا الغرض من قبل دارسين مختلفين في الحقل، وبدرجات مختلفة في النجاح، وابين من خلال ذلك مدى الخلاف والاتفاق بالنسبة لكل منها ثم ارسم صورة مركبة من عدد من هذه المعايير قد تضعنا في وضع افضل قليلا مما كنا عليه في بداية هذه المقالة.

لقد أتضح مما ذكرناه ومن التعاريف السابقة انه ليس هناك معيار او صفة واحدة تميز مادة الفولكلور عن غيرها من المواد الثقافية بل اننا بحاجة الى عدد من المعايير قد تؤدي، مجتمعة، بالغرض. ولكن القضية معقدة اكثر من ذلك اذ انه ليس هناك اتفاق على عدد هذه المواصفات ولا على اي المواصفات تدخل في تعدادها. وحتى لو اتفق على صفة او معيار معين لاحدى الصفات المطلوبة فليس هناك اتفاق على ان قيم هذه الصفة هي تلك التي يتصف بها الفولكلور.

وهذه أهم المعايير والمواصفات التي يدور الحوار حولها في عالم الفولكلور في هذه الايام :-

1. طبيعة مادة الفولكلور :

هناك خلاف حول طبيعة المادة التي " يصنع " منها الفولكلور، فهل هي معرفة او فكر وفن او عاطفة او سلوك او عملية اتصال او اجسام مادية ملموسة؟ ويتوجة التيار في حقل الفولكلور الان نحو الاتفاق على ان مادة الفولكلور تجمع بين المعرفة وطريقة التفكير والاسلوب الفني والتعبير عن العواطف مصوغة جميعها بشكل سلوك، ولا تضارب بين هذه جميعها. اما قضية اعتبار الفولكلور كوسيلة اتصال بين افراد جماعة صغيرة فهذا طرح حديث نسبيا ولم يلق اهتماما كبيرا حتى الان. ولكنني اعتقد ان قضية الاتصال خارجة عن طبيعة مادة الفولكلور وموجودة في اذهان او نوايا مستعملي مادة الفولكلور الذين يرغبون في ايصال افكار او معان الى بعضهم البعض ويمكن في هذه الحالة استعمال مواد غيرفولكلورية ولا تتضارب حتميا بين ذلك وبين القيم الخمس السابقة لهذا المعيار. اما السؤال حول كون الاجسام المادية الملموسة كالادوات او الملابس او الدمى فولكلورا فما زال يدور حوله الكثير من الخلاف، ولكن الاكثرية من علماء فولكلور يميلون الى الاجابة على هذا السؤال بالنفي. واميل انا شخصيا الى التمييز بين الاداة كجسم مادي ملموس وبين المعرفة والافكار والعواطف والسلوك التي تدخل في صنع وتزيين واستعمال تلك الاداه. فاما القسم الاخير فيدخل ضمن مادة الفولكلور واما الاول فلا.

2. الإطار الجماعي للفولكلور :

ذكرنا سابقا ان اصطلاح " فولك " اي " الشعب " كان في بداية نشوء هذا الحقل يطلق على الطبقات الدنيا من المجتمعات الاوروبية فقط، والقروية منها بشكل خاص، وكان اصطلاح فولكلور يطلق بذلك على جزء معين من ثقافة هذه الطبقات فقط. وقد دارت عبر تاريخ هذا الحقل جدالات وحوارات طويلة حول وجود الفولكلور او عدمه في المدن او بين الطبقات الارستقراطية او بين الشعوب البدائية او المختلفة. ومع ان التعريف القديم ما زال يحظى بتاييد الكثيرين من علماء الفولكلور خصوصا الاوروبيين منهم، الا ان الاكثرية خصوصا في امريكا يميلون الان الى قبول تعريف دنديز الذي ذكرناه سابقا والذي يقول بان كل فئة او جماعة انسانية يجمع بين اعضائها عامل واحد على الاقل، مهما كان ذلك العامل ومهما كان نوع تلك الفئو او عدد افرادها او السبب في تكوينها، لها فولكلورها. وإذا وصل الاتفاق على هذه الفكرة، في مرحلة ما، درجة الاجماع فان " الاطار الاجتماعي " كاحد المعايير المميزة للفولكلور سينتهي.

3. اتساع الانتشار :

هناك اتفاق على ان فولكلور جماعة من الجماعات هو ملك المجموعة ككل وليس ملك فرد واحد او افراد معينين من الجماعة.ولكن ما معنى " ملك الجماعة "؟ فهل من المفروض ان يعرف كل فرد مادة ما حتى تدخل في عداد فولكلور تلك الجماعة، أم إن المقصود إن فولكلور الجماعة هو مجموع ما يعرفه جميع افراد الجماعة من فولكلور. واذا لم يكن من الضروري ان يعرف الجميع نفس المادة فكم فردا او ما هي النسبة الضرورية بين افراد المجتمع حتى تعتبر تلك المادة فولكلورا؟. طبعا ليس هناك اجوبة مقنعة لهذه الاسئلة. ولكن هناك نوع من الاتفاق الضمني بين علماء الفولكلور بهذا الخصوص واعتقد ان الصورة التالية قد تنقل روح هذا الاتفاق الضمني : لو جعلنا دائرة امها (أ) تمثل فولكلورا من جماعة من الجماعات وجعلنا كلا من الدوائر ب، ج، د،... الخ تمثل الفولكلور الذي يعرفه فرد من افراد الجماعة، فالمفروض ان تكون كل مادة من مواد فولكلور تلك الجماعة ، اي كل مادة موجودة ضمن الدائرة (أ) موجودة ايضا ضمن الاكثرية من الدوائر ب، ج، د،... الخ، وبذلك فان الدوائر ب، ج، د،... الخ لا تتطابق كليا ولكنها تتداخل او تتراكب الى حد كبير، وتكون (أ) هي الدائرة التي تضم جميع مناطق التراكب هذه، اي تضم جميع المواد المشتركة بين عدد كبير من افراد الجماعة وما يقع خارج مناطق تراكب هذه الدوائر، اي خارج (أ) فهو اجتهاد فردي او شذوذ او بدعة وليس جزءا من الفولكلور.

4.كيفية الانتقال

تنقل مواد الفولكلور من جيل الى جيل ومن جماعة الى جماعة ومن فرد الى فرد. وهناك اتفاق بين العاملين في الحقل بان الفولكلور كجزء من الثقافة ينتقل اجتماعيا، اي عن طريق التعلم وليس عن طريق الجينات. ولكن طرق التعلم او الانتقال الاجتماعي كثيرة، فهل هناك طريقة انتقال خاصة يجب ان تنتقل مادة الفولكلور بواستطها حتى تصبح تسمى فولكلورا؟ ترد الاكثرية الساحقة من العاملين في حقل الفولكلور على هذا السؤال بالايجاب، فهم يرون ان من الشروط التي يجب ان تتوفر في مادة حتى تدخل في عداد الفولكلور ان تنتقل " مشافهة ". وهناك طبعا الاقلية، ولكنها اقلية مؤثرة وفعالة، ممن يرفضون هذا الشرط.

فالقضية هنا ليست قضية صح وخطا وانما هي اقرب الى تحيز يكاد يكون اعتباطيا الى احد رايين في محتويات الفولكلور. فما هما هذان الرأيان، ومن هم اصحاب كل منهما؟ الاجابة على هذا السؤال تحتاج الى بعض الاطالة.

يقسم علماء الفولكلور من حيث تدريبهم الاكاديمي الى ثلاثة اقسام : قسم يكون قد تدرب في حقل الانثروبولوجيا الثقافية واختص ضمنها بجزء من الثقافة هو الفولكلور. وقسم اخر يكون قد تلقى تدريبه في العلوم اللغوية او في الادب بشكل خاص ثم اختص بدراسة جزء خاص من الادب الشعبي او الفولكلور حسب تعريفهم. والقسم الثالث يكون قد تدرب منذ البداية في قسم مستقل للفولكلور ونال درجاته الجامعية في " علم الفولكلور ". افراد القسمين الاول والثاني يميلون بشكل عام ويتطلبون شرط الانتقال الشفهي في جميع مواده. اما افراد القسم الثالث فانهم يميلون الى توسيع رقعة الفولكلور بحيث يحتوي اجزاء اخرى مثل الفنون اليدوية، الفنون التعبيرية، المعتقدات الشعبية. هذه الاجزاء من الفولكلور تعتمد في انتقالها بشكل كبير على المشاركة والملاحظة والتقليد ولذلك فان افراد هذه الجماعة لا يشترطون الانتقال مشافهة في تعريفهم للفولكلور.

4.وسط التعبير في الفولكلور :

هذا البعد يشبه البعد السابق اي كيفية الانتقال ولكنه يختلف عنه نظريا على الاقل. فالوسط المستعمل للتعبير عن العواطف او الافكار عن طريق الرقص هو "حركات جسمانية " ولكن يمكننا ان نعلم شخصا ما نوعا من الرقص مشافهة. والوسط للتعبير في الاغنية الشعبية هو الكلام الملفوظ ولكن يمكن ان ننقلها كتابة، وهكذا.

هناك عدد كبير من علماء الفولكلور يطلقون على مجموع المواد التي يهتم بها هذا الحقل " الفنون القولية " ويرفضون اعتبار اي مادة يكون وسط التعبير فيها غير القول الملفوظ كجزء من الفولكلور. ولكن جماعة لا باس بها تقبل اوساطا اخرى كحركات الجسم في الرقص، والخشب في الدمى التقليدية والقماش في الملابس الشعبية وغير ما ذكر في البند السابق بخصوص كيفية الانتقال.

5 .عمر الفولكلور :

من أهم المواصفات التي تشترطها الاكثرية الساحقة من العلماء في مادة الفولكلور هي صفة القدم. ولكن احدا لن يستطيع ان يحدد العمر الذي يجب ان يتوفر في مادة ما حتى تصبح فولكلورا. كذلك فانه من المتفق عليه ان بعض المواد مثل بعض الاغاني الشعبية قد تصبح فولكلورا خلال سنوات قليلة اذا لاقت قبولا وانتشار كبيرين، وتفاعل معها افراد المجتمع ووجدوا فيها اداة مناسبة للتعبير عن ما يجيش في نفوسهم. لذلك يمكننا ان نقول ان ليس هناك حد زمني مطلق للفولكلور، ولكن قدم مادة ما يزيد عن امكانية تصنيفها كمادة فولكلورية.

6. تقليدية الفولكلور :

هذا البعد يرتبط بشكل كبير بالبند السابق ولكنه نظريا مستقل عنه، يشترط اكثرية علماء الفولكلور ان تكون مادة الفولكلور تقليدية في المجتمع الموجود فيه اي ان تكون موروثة عبر الاجيال. وينطبق هنا ما قلناه من حيث امكانية دخول مادة غير تقليدية ضمن الفولكلور احيانا، وعدم وجود حد مطلق لعدد الاجيال، وازدياد امكانية تصنيف مادة ما ضمن الفولكلور بازدياد عمق الاجيال التي توارثتها.

7. المؤسس أو المؤلف :

هذا البعد أيضا مرتبط بالبندين السابقين، القدم والتقليدية هناك اتفاق عام بان مادة الفولكلور ليس لها مؤلف او مؤسس معروف ترتبط المادة باسمه ويكون له فيها حقوق المؤلف او المبتكر بل هي ملك للجماعة ورثوها من الاجيال السابقة دون معرفة مصدرها الاصلي. وهذا يعني ان الفولكلور هو تعبير عن الضمير الجماعي والشخصية الجماعية لذلك المجتمع، ينمو ويتطور ويتغير ويموت حسب التغيرات والتبدلات التي تطرا على هذا الضمير الجماعي والشخصية الجماعية وليس استجابة لرغبات او قرارات الافراد.

هذه ثمانية من اهم المعايير او المواصفات المستعملة في تعريف مادة الفولكلور وتمييزها عن غيرها من اجزاء الثقافة. نتسال الان بعد ان درسنا هذه المواصفات، هل اصبحنا في وضع افضل للحكم على مادة الفولكلور؟ اجيب على هذا السؤال بطريقة غير مباشرة. لو اخذنا المواصفات الثمانية المذكورة سالفا ورتبنا القيم المختلفة لهذه المواصفات في اعمدة كما هو موضح على الصفحة التالية :

الرقم

الصفة

قيم نوع ( 1 )

قيم نوع ( 2 )

1

طبيعة مادة الفولكلور

معرفة، فكر، فن، سلوك.

وسيلة اتصال اشياء مادية.

2

الاطار الاجتماعي

طبقات دنيا، عامة الشعب، فلاحون.

طبقات ارستقراطية، سكان المدن، شعوب متوحشة.

3

مدى الانتشار

مالوفة لاكثرية ابناء الجماعة.

مالوفة لعدد قليل.

4

كيفية الانتقال

تنتقل شفهيا.

تنتقل بوسيلةاخرى.

5

وسط التعبير

فن قولي

وسط غير قولي.

6

مدى القدم

قديمة.

حديثة.

7

التقليدية

متوارثة عن اجيال سابقة.

ادخلت حديثا.

8

المؤلف

غير معروف.

معروف.

ثم أخذنا المادة التي يدور حولها التساؤلوفحصنا القيم الموجودة فيها لكل من الصفات الثمانية فاننا نستطيع ان نقول وبقسط كبير من الثقة، ما يلي : كلما ازداد عدد القيم من النوع الاول المتوفرة في تلك المادة كلما ازدادت امكانية تصنيفها من قبل عدد اكبر من علماء الفولكلور ضمن مادة الحقل واذا اجتمعت فيها القيم الثمانية الموجودة في العمود الاول قاربت الامكانية درجة اليقين، والعكس صحيح بالنسبة للقيم الموجودة في العمود الثاني.

هذه طبعا طريقة نظرية معقدة للتعرف على مواد الفولكلور وقد يستطيع المختص او شبه المختص اتباعها ولكن الشخص العادي سيجد صعوبة كبيرة في استعمالها. فهل هناك ما يسهل الامر على المبتدئ؟ اسهل طريقة للمبتدئ هي ان يعتمد على تعريف الفولكلور موضوع من قبل احد العلماء المختصين الثقات والمعتبرين من " اباء " الحقل ويتكون هذا التعريف من تعداد للمواد التي يعتبرها هذا العالم جزءا من الفولكلور. ومن الطبيعي ان القوائم بمواد الفولكلور التي يقدمها العلماء المختلفون تختلف باختلاف ارائهم النظرية وليشس هناك قائمة يتفق عليها الجميع. وانقل فيما يلي تعريفا من هذا النوع لاحد اعلام الحقل وهو " الن دنديز "، وقد اخترت هذا التعريف لشموليته واتساع افقه، ويمكن للمبتدئ المستانس بهذا التعريف ان يكون على يقين بان كل مادة واردة في هذا التعريف مقبولة، على الاقل، عند عدد لا باس به من علماء الفولكلور. وادرج فيما يلي هذا التعريف بشيء من التصرف : " يضم الولكلور الخرافات، الاساطير، القصص الشعبية، النكات، الامثال، الحزازير، الترانيم، التعاويذ، التبريكات، اللعنات، والمسبات، الاقسام والايمان، الاساءات اللفظية، الاجابات التقليدية المقنعة، المقاهرة والمعايرة، الانخاب، وجمل التحية والوداع. ويشمل ايضا الملابس الشعبية، الرقص الشعبي، الفن الشعبي، المعتقدات الشعبية، الاغاني الشعبية، المصطلحات العامية، التشبيهات، الكنايات، الالقاب، اسماء الأماكن والمواقع، الشعر الشعبي وهو يتراوح من الملاحم الشعبية الى ما يكتب على القبور، الكتابة على جدران المحلات العامة، الاغاني التي ترافق العاب الاطفال، الاغاني التي يغنيها الكبار عند تلعيب الاطفال، واغاني الحضانة. وتحتوي اقئمة مواد الفولكلور ايضا الالعاب، الايماءات، الرموز، الدعاء، النكات العملية، التفسير الشعبي لنشوء بعض المصطلحات، طرق الطبخ، انماط الطتريز انماط البيوت والاسوار وبيوت الحيوانات، مناداة الباعة، وحتى الطرق التقليدية لاستدعاء او طرد الحيوانات وما يقال عند صدور اصوات مثل القحة او العطش. هنالك أيضا الاحتفالات الشعبية التقليدية والعادات والممارسات والتقاليد الشعبية المتبعة في الاعياد والمناسبات. هذه القائمة تعطي عينة فقط ولا تشمل جميع انواع الفولكلور. واخيرا كي اوفي هذا الموضوع حقه سأحاول، في ضوء ما تقدم، ان اجيب على عدد من الاسئلة اسمعها تتكرر كثيرا على السنة المبتدئين والمهتمين غير المختصين في مجتمعنا، هذه الاسئلة هي : -

vهل هناك فولكلور فلسطيني ام يجب ان نقول فولكلور عربي؟

لقد ظهرت الاجابة على مثل هذا السؤال في تعريف اعطيناه في بداية هذه المقالة لمصطلح " قولك "، فبينا ان الفولكلور لا ينحصر فيجماعة او طبقة اجتماعية او طبقة اجتماعية واحدة أو مجتمع واحد وانما لكل جماعة يجمع بين افرادها عامل واحد على الاقل، مهما صغرت تلك الجماعة او كبرت ومهما كان السبب في تكوينها، فولكلورها الخاص بها. بناء على ذلك نقول انه اذا كان هناك عامل واحد على الاقل يجمع بين الناس الذين يسعون " فلسطينيين " ويميزهم عن غيرهم وكان لهم تراث او تقاليد يعتقدون انها ملكهم الجماعي، فان هناك فولكلور فلسطينيا. لا شك ان الكثير مما يطلق عليه اسم فولكلور فلسطيني هو في الحقيقة فولكلور عربي لانه اوسع انتشارا في المجتمع الفلسطيني، ولكن لا شك ايضا ان الكثير من الفولكلور الذي تبلور منذ الحرب العالمية الاولى بين الفلسطينيين وانفردوا بها عن غيرهم من ابناء الوطن العربي.

vهل " الزجل " او الحدادي التي يغنيها الشاعر الشعبي في الاعراس مثلا، مخن الفولكلور؟

واميز هنا بين الصيغة والمحتويات، فالصيغة في الزجل والاغاني الشعبية جميعها تكاد تكون دائما تقليدية وراثية فولكلورية. اما المحتويات او مضمون البيت الواحد من الزجل او الاغنية او القصيدة الشعبية فانها اذا كانت تقليدية ومتوارثة أو لها تحوير او اعادة تركيب وتجمع لعناصر تقليدية فهي في الفولكلور. اما اذا كان بيت الزجلمن تاليف الشاعر فعلا، اي انه مخترع مبتدع يعبر عن ضمير ذلك الشاعر ومشاعره وشخصيته فهو ليس من الفولكلور حتى لو صيغ في قالب فولكلوري وبلهجة شعبية. والفت النظر هنا الى نقطة هامة وهي ضرورة التمييز بين الشعبي والتراثي فليس كل ما هو شعبي يعد من التراث وليس كل ما في التراث شعبي. فالمعلقات مثلا جزء من التراث ولكنها ليست شعبية ولذلك ليست جزءا من الفولكلور، وبيت الزجل المبتكر " المؤلف " ليس تراثا ولو صيغ بلهجة شعبية وقيل في مناسبة شعبية الا اذا شاع بين اكثرية الجماعة وتقبله لانة جاء معبرا عن وجدانها الجماعي.

vهل " عود الحراث " او " الطاحونة " او " دلة القهوة " من التراث؟

بشكل عام نستطيع ان نجيب بنعم، ولكنني كما ذكرت سابقا اميل الى الراي القائل بان الانماط الزخرفية، وطرق الصناعة وطرق الاستعمال، والعادات والتقاليد التي تبلورت حول هذه الادوات هي الفولكلور وليست الادوات نفسها. والفرق هنا نظري وليس ذا اهمية كبيرة من الناحية العملية.

vهل يمكن احياء الفولكلور وتطويره؟

يرى البعض ان تراثنا عناصر سيئة يجب التخلص منها وان هناك عناصر جيدة يجب المحافظة عليها وتطويرها، واذا مانت قد ماتت او قاربت فيجب اعادة احيائها.

وتعليقي على هذا الراي :

ü انه ليس في التراث جيد وسيء، وانما هو صورة لضمير المجتمع ومشاعره، يصور ماهو موجود، والمعنى الحقيقي هو ان هناك نواحي فاسدة في المجتمع وليس عناصر سيئة في الفولكلور.

ü إن إحياء أو تطوير " الفولكلور " او " التراث الشعبي " بالمعنى الدقيق غير ممكن من عدة جهات، فالاحياء والتطوير ياتي نتيجة تخطيط وسياسة واعية من قبل افراد معينين وما يحي او يصنع بهذه الطريقة فهو ليس " فولكلور " لانة " رسمي " وليس " شعبي "، ولا يختلف عن اي شيء " مؤلف " او " مبتكر " فهو ليس فولكلورا في لحظة طرحه ولكن الزمن فقط سيحكم فيما اذا كان " الشعب " سيتبنى بعضا منه او كله ويجعله بعد اجتراره وهضمه وامتصاصه جزءا من " تراثه الشعبي ".

لذلك فنحن لا نستطع احياء " الفولكلور " الميت واعادته الى " فولكلور " حي بل نستطيع تعريف ابناء المجتمع على " اجداد " تراثهم لكي يتعرفوا على ماضيهم وعلى جذورهم. ونحن لا نستطيع " تطوير " الفولكلور بمعنى خلق فولكلور جديد بل نستطيع ان نستوحي او نستلهم التراث الشعبي في خلق عناصر او مواد ثقافية جديدة، وقد يصبح قسم منها مع مر الاجيال " تراثا " وقد يصبح قسم منها " شعبيا " دون " تراثا " وقد يصبح قسم ضئيل " تراثا شعبيا ".

http://www.najah.edu/index.php?news_id=5471&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment