Monday, December 14, 2009

أثر الانتفاضة على العادات والتقاليد في الأفراح والأتراح

أثر الانتفاضة على العادات والتقاليد في الأفراح والأتراح

عبد العزيز أبو هدبا

إن من أهم مميزات التراث الشعبي وما يزيد في أهميته، انه يسجل بصدق وأمانة الأحداث التي تتعرض لها مرابع هذا التراث وبالتالي أصحاب هذا التراث فهو يتأثر بهذه الأحداث في مضامينه وجوانبه المختلفة حيث نلمح هذا التأثر بكل وضوح إذا قمنا بتقليب صفحات هذا التراث. وكما أن التراث الشعبي يتأثر بالأحداث فإنه يؤثر فيها وبمقدار أهمية هذه الأحداث التي تمر بأصحاب التراث وموطنهم يكون تأثير التراث الشعبي في مسار الأحداث في مسار ايجابي وفعال.

وبناء على ما تقدم نستطيع القول أن تراثنا الشعبي وخلال السنتين الماضيتين من عمر الانتفاضة الباسلة قد تأثر بمجريات الأحداث التي غطت الساحة الفلسطينية خاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة كما أثر فيها.

لقد قمت في عام 1989 وفي مدينة الناصرة الحبيبة، بتقديم الصورة الدقيقة والكاملة عن الآثار الواضحة التي تركتها الانتفاضة في عاميها الأولين 88-89، على العديد من جوانب تراثنا الشعبي وخاصة فيما يتعلق بالعادات والتقاليد في الأفراح والأتراح ( وقد نشرت هذه الدراسة في كتاب صدر عن مركز إحياء التراث في طيبة المثلث عام 1990 تحت عنوان (الأدب الشعبي في ظل الانتفاضة) إعداد الدكتور عبد اللطيف البرغوثي في الصفحات ( 83-118). وقبل أن أواصل رسم الصورة للعامين التاليين 1990-1991 وأوائل عام 1992 أود من باب الربط بين الأحداث من ناحية، ومن باب التذكير من ناحية أخرى أن أقدم صورة موجزة عن تأثر العادات والتقاليد على الساحة الفلسطينية بما شهدته هذه الساحة من أحداث فاقت الخيال، وفاقت كل تصور حتى أنني أرى أن كلمة انتفاضة لم تف تلك الفترة حقها من الوصف.

لقد قام عدد من الأخوة الباحثين الميدانيين برصد أثر الانتفاضة على العادات والتقاليد من خلال الجولات الميدانية واللقاءات الشخصية واستطلاع الآراء للعديد من أهلنا وأحبائنا أصحاب هذا التراث والمتعايشين معه، ولدى إكمال عملية الرصد والجمع قمت بدراسة ما تم جمعه من معلومات وآراء وها أنا أوجز ما استطعت التوصل إليه في مجال تأثر العادات والتقاليد بالانتفاضة وأحداثها الجسام:

1.قلة تكاليف الزواج وما يرافقه من عادات وتقاليد.

2.عدم الغناء للرجال وللنساء في كل مراحل الزواج.

3.إلغاء الزفة في عملية الزواج.

4.إلغاء السهرات حيث لم يعد لها وجود حتى ولو لليلة واحدة.

5.الغناء للشهيد والاستشهاد.

بعد هذا انتقل للحديث عن أثر الانتفاضة على العادات والتقاليد في سنتي 90-91، ثم عقد مقارنة بين مقدار التأثير والتأثر بين المرحلة الأولى من عمر الانتفاضة والتي يمكن التعبير عنها زمنياً بعامي 1988- 1989، وبين المرحلة الثانية من عمر الانتفاضة المديد والتي سو احددها بعامي 1990-1991، وقد اعتمدت في عملية الرصد هذه على مصادر المعلومات التالية:

المقابلات الشخصية.

المشاهدات الشخصية.

بعض البيانات الرسمية.

بعض الآراء المكتوبة والمنشورة.

لقد واصلت رصد مجريات أحداث الانتفاضة ومدى تأثير هذه الأحداث على العادات والتقاليد في الأفراح بشكل خاص، وكنت لا أفتأ أسأل من التقي بهم من الأصدقاء والمعارف عما يتم عمله في حالات الزواج في معظم بقاع أرضنا الحبيبة، وكنت في معظم لقاءاتي وجلساتي مع هؤلاء الأشخاص- والذين يختلف مستوى ثقافتهم ويتنوع- أوجه السؤال التالي أليهم: كيف تتم مراسيم عملية الزواج عندكم؟ وما هي وجهة نظركم في هذا الموضوع.

ومن خلال ما تلقيته من إجابات وما شاهدته شخصياً أستطيع رسم منحني يوضح مقدار تأثر العادات والتقاليد بأحداث الانتفاضة حيث نرى أن هذا المنحنى اخذ بالانخفاض قليلا ولكنني اجزم حتى هذه اللحظة أن هذا المنحنى لم يعد إلى وضعه الطبيعي وما أنا أحاول تفصيل ذلك.

مما لا شك أن التشدد في مراسيم الزواج الذي شاهدناه خلال العامين الأولين اخذ في التراخي قليلا، ً لقد أخذنا نسمع هنا وهناك أصواتاً هامسة تقول أن الانتفاضة سوف تستمر ما دام شعبنا الفلسطيني لم يحقق أهدافه في إقامته الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهذا يعني انه سوف تمر سنوات قد تقل أو تكثر حتى نصل إلى هدفنا المنشود ذاك، فهل نبقى كما نحن الآن، لا تتردد في منازلنا وفي حاراتنا وشوارعنا أية أغنية تعبر كالعادة عن مشاعرنا وأحاسيسنا؟

وفي المقابل أخذ صوت المؤيدين لمنع الغناء يخفت وان كنا لا زلنا نسمع هذا الصوت حتى أيامنا هذه علماً بأن نسبة من لا زالوا يقفون في هذا الصف قد قل إلى درجة كبيرة، حيث يتضح لنا ذلك من استعراض المراحل التي مرت بها العودة إلى الغناء، حيث أخذت العودة إطارين هما: إطار الفرق الفنية، وإطار الممارسة الفعلية في الأعراس، وسأتناول هذه الإطارين بإيجاز.

إطار الفرق الفنية:

لقد مر العامان الأولان دون أن نشاهد أو نسمع عن عرض فني لأية فرقة كنا نشاهد قبل انطلاق الانتفاضة المباركة، وفي أواخر عام 1989 شاهدنا عرضين لفرقتين فنيتين قدما في القدس كان الأول لفرقة شرف الطيبي بتاريخ 3/10/1989 والآخر لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية يوم 12/10/1989 أعيد عرضه لمدة ثلاثة أيام في منتصف شهر كانون أول من نفس العام. كما قدمت فرقة يعاد الرامية حفلها الغنائي الأول منذ بدء الانتفاضة وذلك على مسرح الحكواتي بالقدس يوم 23/12/1989.

ومع حلول شهر تموز سنة 1990 جاء نداء القيادة الموحدة يحمل بين ثناياه التأكيد على ضرورة الاحتفال باليوم العالمي للتراث الشعبي الفلسطيني خلال شهر تموز ودعا إلى الحفاظ على هذا التراث في كافة المجالات فكان هناك العديد من المظاهر الاحتفالية بهذه المناسبة ومن جملتها عروض فنية، قدمت في العديد من مدن الضفة الغربية فكان مهرجان عيون قارة الذي أقامه في القدس مركز الفن الشعبي في البيرة بمشاركة عدد كبير من الفرق الفنية واستمر المهرجان ستة أيام 1/7-6/7/1990. واحتفلت جمعية إنعاش الأسرة في تموز 1990 باليوم العالمي للتراث في إطار الجمعية، كما قدمت فرقة الزيتون الفلسطينية عروضا تراثية في مدينة بيرزيت يوم 17،18/8/1990. وفي 21/12/1990 أحيت لجنة الأبحاث الاجتماعية والتراث الشعبي الفلسطيني في جمعية إنعاش الأسرة بالتعاون مع جمعية المجلس الأعلى للفولكلوريين الفلسطينيين يوماً دراسياً تراثياً قدمت فيه فقرات فنية تراثية متنوعة.

وجاء عام 1991 ليحمل بين ثناياه عودة أوسع إلى المهرجانات الفنية التي تقيمها الفرق الفنية والمؤسسات الوطنية، وخاصة خلال شهر تموز وذلك في إطار الاحتفال باليوم العالمي للتراث الشعبي الفلسطيني. ففي 2/7/1991 قدمت عروض فنية فولكلورية على مسرح الحكواتي باسم مهرجان القدس الأول للتراث الشعبي الفلسطيني برعاية اتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ولجان العمل الزراعي. وفي بيرزيت في يوم 4/7/1991 شارك عدد من الفرق الفنية وأشبال فرقة الفنون الشعبية في إقامة حفل فني فولكلوري وفي 12/7/1991 تم عرض عرس فلسطيني في بيت ساحور. وفي 20/7/1991 احتفلت جمعية المجلس الأعلى للفولكلوريين الفلسطينيين باليوم العالمي للتراث الشعبي الفلسطيني حيث قدمت في الحفل إلى جانب المحاضرات والندوة عروض فنية فولكلورية منوعة. وفي 7/8/1991 قدمت فرقة صمود عرضها الفني في مدينة بيرزيت كما أقيم حفل زجلي للأستاذ سعود الأسدي على مسرح القصبة في القدس يوم 31/8/1991.

وخلال الأسبوع الأول من شهر تشرين أول عام 1991 قدم عدد من الفرق الفنية منها: صمود، أشبال بيت ساحور، أشبال الحرية، زهرة المدائن، عروضاً فولكلورية منوعة وذلك في مدينة بيرزيت. وخلال نفس الشهر أقامت كلية مجتمع المرأة وكالة- رام الله حفلا فنيا فولكلوريا استمر لمدة يومين. وفي بيت دقو أحيت فرقة عيون قارة ومؤسسة الدرب للفنون يوم 29/10/1991 حفلا فولكلوريا أيضا. كما أحيت لجنة المرأة الفلسطينية حفلاً فنياً في بيرزيت يوم 27/11/1991. كما أقامت لجنة العاملين في مستشفى المقاصد حفلاً فنياً قدمت فيه عروض فولكلورية منوعة وقد استمر الحفل ثلاثة أيام 17-19 /12/1991 وشاركت في هذه العروض فرق جمعية إنعاش الأسرة.

وإذا أشرفنا على عام 1992 نرى أن نشاط الفرق الفنية أخذ يزداد وينمو وأخذت الفرق تنشط في تقديم عروض فنية فولكلورية، وخلال التي مضت وهي حوالي شهرين كان مما قدم:

في يوم 15/2/1992 أقامت فرقة تل الزعتر وغيرها من الفرق الفنية في بيت ساحور مهرجاناً فولكلوريا. كما أحيت فرقة صمود- بيرزيت يوم 3/3/1992 حفلا فنيا فولكلوريا. وفي يوم 6.7/3/1992 أقامت فرقة بيت ساحور للفنون الشعبية مهرجاناً فولكلوريا كبيرا شارك فيه جميع فرق الدبكة والفنون الشعبية في بيت ساحور.

هذا وقد عبر احد الزجالين عن الامتناع عن إقامة الأعراس في سنوات الانتفاضة الأولى وعن الرغبة في العودة إليها ولكن بشرط جاءت في المقطع الأخير من زجلية له قالها في كانون أول سنة 1989:

بكره يا أيام المحبة ترجعي
وبرجع ربيع الأرض نيساني
ويتعلي على الشمس الجبين وترفعي
فوق المآسي والجرح هاماتنا
وترجع ليالي الوطن بالأعراس مليانه

وقد اقتصر تأليف الأغاني التي تصور الانتفاضة حدثاً فريداً على الزجالين ولذا لم نسمع حتى هذه اللحظة أغنية نسائية ورد فيها كلمة الانتفاضة وفي احد الأعراس في مدينة البيرة أواخر عام 1991 وبينما كانت النساء تغني سمعتنهن يرددن جيشك رابين. وكررن المقطع مرتين ثم انتبهت البداعة بأن هذه الأغنية قيلت في زمن كان فيه اسحق رابين رئيسا للوزراء أو وزيرا للدفاع فما كان منها إلا أن قالت جيشك شامير وأكملت الأغنية.

وقد واكب نشاطات الفرق الفنية بل ربما سبقها تسجيل عدد من الأغاني الوطنية وطرحها في الأسواق على شكل كاسيت ولا زلنا نسمع ونردد العديد من هذه الأغاني التي عملت على سد الفجوة التي أحدثها عدم الغناء في مناسبات الزواج أو غيرها من مناسبات الأفراح فكانت هي البديل المؤقت لذلك وهناك مجموعة من الأشرطة التي طرحتها فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية في البيرة وفرقة عيون قارة وفرقة مؤسسة شباب البيرة والشاعر ذيب عمرو، كما أصدرت فرقة الاستقلال الفنية التراثية شريطها الأول بعنوان (حنان الأم) هذا بالإضافة إلى أشرطة تمثل الحركات الإسلامية.

إطار الممارسات الفعلية في الأعراس

كان هذا هو الإطار الثاني من حيث الزمن وقد سارت عملية العودة بالأعراس إلى شيء مما كانت عليه قبل عام 1987 بشكل تدريجي وعلى مراحل تتزايد في احتمال العودة إلى الشيء الطبيعي ويمكن إيجاز هذه المراحل بما يلي:

1.مرحلة المهاهاة للعروسين واقاربهما: لقد كانت أول فجوة فتحت في بناء الامتناع عن الغناء هي المهاهاة لمرة أو مرتين خلال العرس كله مثلاً عند خروج العروس من بيت والدها، وكذلك عند دخولها بيت عريسها، وكانت تؤدي هذه المهاهاة وما يتبعها من زغاريد أقرب النساء إلى العريس، ولم تكن لتؤديها النساء الأبعد قرابة.

2. استعمال المسجلات: لقد أخذ العديد من أصحاب الأعراس في وضع الكاسيت على المسجل وتقوم النساء بترديد الأغنية مع المسجل، وكذلك الرقص على أنغام هذه الأغنية، وقد اختلفت هذه الأغاني بين الوطنية والعاطفية.

3.سير موكب العروس في الشوارع مع التصوير بالفيديو، ومن ثم إطلاق زمارات السيارات.

4. الغناء الفعلي: وهذا أخذ المراحل التالية:

5.الاكتفاء بالأغاني الوطنية والدينية داخل البيوت.

6.عدم الاكتفاء بالأغاني السابقة وأداء الأغاني العاطفية داخل البيوت.

7.الغناء خارج البيت في الساحة قرب بيت العريس، أو العروس وكذلك أثناء الذهاب لحناء العروس أو لإحضارها من بيت والدها حيث أصبحنا نرى عدداً كبيراً من النساء يشارك في الغناء والمهاهاة وكان هذا الغناء يشمل الأغاني الوطنية والسياسية والأغاني التي تتحدث عن العروسين وأقاربهما.

8. إحياء السهرات وإقامة حلقات الدبكة والرقص قرب بيت العريس واستعمال بعض الآلات الموسيقية حيث يتم ذلك رغم صعوبة الظروف التي نعيشها وخاصة بعد حرب الخليج. ولقد حدث في إحدى قرى لواء رام الله عادت الأعراس لتأخذ طابعها القديم إلى حد كبير فالأغاني والدبكات والمهاهاة والزغاريد وزفة العروس والولائم والى غير ذلك.

9। إقامة الحفلات في الفنادق: حيث نرى هذه الأيام أن العديد من حفلات الأعراس والخطبة تتم في قاعات الفنادق مع ما يرافق ذلك من غناء ورقص وهو ما كان يحدث تماماً قبل الانتفاضة.


No comments:

Post a Comment