Monday, December 14, 2009

العرب في مواجهة خطر السينما الصهيونية

العرب في مواجهة خطر السينما الصهيونية

جان الكسان

صحفي، باحث متخصص بالشؤون السينمائية، دمشق

مقدمة

يواجه العرب، فيما يواجهون من وسائل العداء والاستعداء التي يستخدمها العدو الصهيوني، سلاحا عصريا ماضيا، يخترق العقول والأفئدة بلبوس حضارية يتسلل بها إلى المتلقين بإثارة بارعة وألوان زاهية، محملاً بكل ما أفرزه اجتماع مزايا الفنون البصرية والسمعية في فن واحد أسموه "الفن السابع" وقد عرف منذ اختراعه عام 1895 باسم "السينما" في حين يطلق عليه بعض اللغويين العرب اسم "الخيالة". ويتزامن تسلل الفكر الصهيوني إلى فن السينما مع المؤتمر الصهيوني الأول ( بازل _ سويسرا، 29_31/8/1897) عندما وافق المؤتمر بقيادة تيودور هرتزل على برنامج يدعو إلى" وطن قومي آمن ومعترف به قانونياً لليهود في فلسطين". كما يتزامن ذلك مع البدايات المبكرة لهذا الفن الذي اصبح فيما بعد من أكثر الفنون انتشاراً وتأثيراً في العالم.

استغل القادة الصهاينة الأوائل هذا الإكتشاف منذ نهاية القرن الماضي، أي أن عملية التسلل من خلاله، ثم الإختراق، وفيما بعد الاحتواء، تمتد على مدى تسعين عاماً، إذ حقق المخرج الفرنسي جورج ميلييس عام 1899، وبعد أربعة أعوام فقط من اختراع فن السينما، شريطاً وضع في خدمة الأهداف الصهيونية، وهو عن قضية دريفوس المعروفة، ذلك الضابط اليهودي الذي طرد من صفوف الجيش الفرنسي بتهمة الخيانة، فاستغلت قضيته على اعتبار أنه يهودي، ولهذا لقي الاضطهاد، ومن هنا كان الدفاع الذي دافع بهعنه الكاتب المعروف اميل زولا. قد حظي هذا الشريط بإعجاب القادة الصهاينة الذين كانوا يدعون إلى تهجير يهود العالم المضطهدين في كل مكانإلى ارض الميعاد في فلسطين. وبهذا يكون هذا الشريط البداية الأولى لإعلان الصهيونية حربها على جبهة السينما، إذ كانت خطتها في هذا الميدان وحتى عام 1948، عام إعلان كيان دولتها على أرض فلسطين العربية، تهدف إلى أمرين اثنين :

1- التوجه إلى يهود العالم للهجرة إلى فلسطين

2- إثبات ما اعتبرته الحق التوراتي في أرض فلسطين.

كما أن الأفكار الصهيونية ما كان يمكن أن يقدر لها لتتحول إلى كيان سياسي دون مساعدة خارجية، كذلك السنما الصهيونية_ وهي جزء من تلك الافكار _ ما كان لها أن تتوسع وتنتشر في العالم وتخترق المهرجانات، وتسيطر على شركات الإنتاج والتوزيع ودور العرض، لولا الدور الذي قامت به الإمبريالية الغربية و"يهود الشتات"، ولولا علاقة الصهيونية بالاستعمار، واستفادتها من حاجة الاستعمار الغربي إلى قاعدة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك استفادتها من المناخ الفكري والحضاري الذي خلفته الأمبريالية.

أولاً: في السينما الصهيوني

وتعتمد الصهيونية في ميدان السينما، أساليب ووسائل مختلفة ومبتكرة لتضليل الرأي العام العالمي من خلال استراتيجية متكاملة داخل الكيان الصهيوني وخارجه، تمتد على مساحة واسعة من العالم، وتستخدم مناورات مدروسة وتقنيات متطورة، لتحقيق غاياتها وأهدافها، الآنية والمستقبلية، ولهذا أوجدت مؤسسات سينمائية أقرب ما تكون إلى الشكل الرسمي داخل عدد من بلدان العالم.

ويقسم الذين درسوا السينما الصهيونية_ على قلة الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع_ تاريخ هذه السينما الصهيونية إلى أربع مراحل زمنية رئيسية: الأولى: بين إنتاج شريط قضية دريفوس عام / 1899وعام/1948 والثانية: بين عام / 1948(عام قيام الكيان الصهيوني) وعام/(عام نكسة حرب يونيو/ حزيران)، الثالثة : بين عام النكسة وبداية الثمانينات، الرابعة : وتبدأ مع عقد الثمانينات حتى الآن حين دخلت السينما الصهيونية مرحلة الإختراق الكبير لمهرجانات السينما العالمية والسيطرة المباشرة، وغير المباشرة على شركة الإنتاج السينمائي، وبخاصة في هوليود التي يملكها، ومنذ بدايات هذا القرن، رأسماليون يهود، وهي شركات : (متروغولدين ماير_ كولومبيا_ وارنر_ بارامونت_ فوكس للقرن العشرين_ يونيفرسال_ يونايتيد ارتيست)، إضافة إلى استقطاب عدد كبير من السينمائيين في العالم، لتحقيق أفلام سينمائية وتلفزيونية لخدمة أغراض الصهيونية في الدعوة إلى " حق اليهود التوراتي" على أرض فلسطين وسد الطرق على الدعاوة العربية والحق العربي، وتحقيق التغطية المطلوبة لأية عملية عدوانية، أو أي هجوم توسعي، أو برنامج استيطاني، على حساب الأرض العربية، وعلى حساب حقوق الشعب العربي.

وحين ترجمت بروتوكولات حكماء صهيون إلى العربية، تبين أن هناك ضمن وثائقها وثيقة تدعو إلى استغلال الفنون الجديدة وتسخيرها لمصلحة الصهيونية العالمية، فمن بين أربعة مقررات اتخذها المؤتمر الصهيوني الأول، خصص واحد للثقافة والإعلام، ونص البند الثالث منه على " ضرورة نشر الروح القومية والوعي القومي بين يهود العالم وتعزيزها، وتنفيذاً لهذا القرار، نشطت السينما الصهيونية منذ السنوات الاولى لنشوء هذا الفن، وبدىء باستخدام هذا ( السلاح ) في : 1- مخاطبة اليهود االذي عرفوا ب"يهود الشتات" للهجرة إلى فلسطين، 2- استغلال الاشرطة السينمائية في جمع التبرعات لصالح إسرائيل، 3- تبرير المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ( بعد الهجرة) بحق العرب.

وهكذا نجد أن مفهوم السينما الصهيونية تركز في البدء على أسس عامة، ثم تبلور فيما بعد، حسب مقتضيات الحاجة والضرورة والخطط الآنية والاستراتيجية الصهيونية، عبر مراحل تطورها التاريخي حول محاور رئيسية كان أهمها : تكريس المفاهيم الصهيونية، ودعم فكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، واستثارة عطف الاوروبين والامريكيين على اليهود، والتركيز على استغلال موضوع " اللاسامية"، وتضخيم فكرة اضطهاد اليهود في كل مكان من العالم، وبخاصة حول ما اثير من موضوعات الاضطهاد النازي لهم إبان الحرب العالمية الثانية، وإضفاء الطابع الإنساني على الفكر الصهيوني، وتأكيد حق الشعوب في تقرير مصيرها، ولكن مع ربط هذا المبدأ بحق اليهود في أرض فلسطين وإغفال ما عداه.

وعلى الرغم من هذه التقسيمات جميعها، يظل استخدام الصهيونية الفن السينمائي لخدمة أهدافها غير محدود ضمن أطر جامدة، وإنما هو موزع في أكثر من إطار، يتجدد ويتطور باستمرار مع التطورات الفكرية والفنية المتجددة وحسب خطط التكتيك والاستراتيجية التي تعتمدها الصهيونية في أوقاتها المناسبة. فالأشرطة التي تحمل مفاهيم صهيونية_ مباشرة وغير مباشرة_ لا يلتزم أصحابها بنوعية معينة من الانتاج السينمائي، بل يتحركون عبر أكثر من نوعية فيلمية، فبعد الحرب العالمية الاولى كانت هناك الاشرطة التاريخية مثل "بن هور" و"شمشون ودليلة"و"الوصايا العشر" بأجزائه الصامتة ثم الناطقة فيما بعد، و"جنكيز خان"و" سقوط الأمبراطورية الرومانية" و" ملوك الشمس" و" باراباس" وغيرها.

وقد اعتمدت الصهيونية ضمن هذه النوعية من الأفلام، على ناحيتين : الأولى : استخدام القصص الدينية المأخوذة من الكتب المقدسة وتفسيرها بما يخدم الأهداف الصهيونية، والثانية : تسخير التاريخ وتزييفه وتوظيفه لصالح " الشعب المختار" لتأكيد مفاهيم عدة تخدم استراتيجيتها. ويدور أكثر أكثر قصص هذه الأشرطة قبيل ظهور المسيحية لتأكيد وجود " الشعب اليهودي" كشعب وكدولة، ولتكريس " الحق التاريخي" لليهود في فلسطين واظهار " دورهم الحضاري" في المنطقة مثل أفلام " الفراعنة" و" سليمان وملكة سبأ" و" الانجيل".

أما في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإنشاء الكيان الصهيوني في أرض فلسطين العربية، فقد ظهرت الأشرطة التي تشيد بدور اليهود في بناء الحضارة إلى جانب أشرطة تشوه تاريخ العرب والمسلمين، وتحط من قدرهم. وبعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ظهرت أشرطة تصور اليهود رسلا للحضارة، وتحط من شأن العرب ضمن مفاهيم الحرب الباردة التي أعقبت العدوان، ونجح الصهاينة في اكتساب تلك سينمائيا لصالحهم إلى حد كبير، كما في شريط" الأكسودس" وشريط "الخروج" وبعد نكسة يونيو / حزيران 1967 ظهرت الأشرطة التي تدعو العرب إلى نسيان قضية فلسطين وتقبل وجود الكيان الصهيوني والانتصار الصهيوني، ليس كحقيقة واقعة، وإنما من منطلق إن حق اليهود في فلسطين كان مسلوبا منهم، فاستعادوا هذا الحق.

ومع تنامي الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية وتحرك منظمة التحرير الفلسطينية وبدء مرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني، والعمليات البطولية التي حققها الفدائيون داخل الأرض المحتلة وعلى تخومها، ظهرت سلسلة من الأشرطة التي كرست لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وأعمال الفدائيين العرب مثل " الاحد الاسود" و" رازوباد" و" عملية عنتيبي".

ومع ازدياد التأييد العالمي للحق الغربي وتفاقم موجات الاستنكار العالمي للسياسة الاسرائيليةالعدوانية في الشرق الاوسط، ظهرت من جديد أسطورة المذابح اليهودية والمطالبة بالمزيد من التعاطف مع اليهود الذين " عانوا من الاضطهاد والذبح" وتبيان " دورهم الفعال" في خدمة وتطوير المجتمع الاوروبي، والمجتمع الامريكي، وقد حققت أشرطة سينمائية ومسلسلات تلفزيونية عدة _ في هذا الاتجاه_ منها : " هولوكوست" و" دافيد " و"البطل" و"الاحتلال في 26 صورة" و" امرأة بين كلب وذئب".

وفي مرحلة تالية، بين النصف الثاني من عقد السبعينات والنصف الاول من عقد الثمانيات،( وهي مرحلة اختراق المهرجانات السينمائية العالمية، ومنه مهرجان "كان"، وبصورة واسعة)، وبعد أن أحكمت الشبكة الصهيونية قبضتها على صناعة السينما العالمية، بدأت بالاعلان عن نفسها من خلال الاشرطة السينمائية وبمختلف الاشكال والاساليب واللغات، وبصورة اليهودي (البطل)، الذي يظهر على الشاشة إما مظلوماً أو مضطهداً، وإما تأثراً يبحث عن حقه، وإما إنساناً ضاحكاً يأسر القلوب، وإما مقاتلاً مغواراً لا بد أن ينتصر.

يتم هذا منذ نهاية السبعينات ومطلع الثمانيات من خلال تظاهرات عالية الصوت، ملفتة للنظر، فكما أن " قضية دريفورس" أنتجت مرات عدة، فإن موضوع "معاناة اليهود، وإنسانية اليهود وبطولة اليهود، وحق اليهود في الارض والحياة" كان ينام حيناً، ثم تعاد إثارته في حين آخر، وبشكل صارخ، كما حدث في " مهرجان كان " السينمائي العالمي عام 1986 حين تساءل الذين حضروا المهرجان من النقاد والسينمائيين والفنانين، وهم يجدون أنفسهم داخل الحصار الصهيوني المنظم : ما مناسبة إحياء هذه الدعوة؟

وتوقع هؤلاء احتمالين لما يحدث: الأول : أن هذه الخطة الصهيونية تستغل كل الفرص لإذكاء روح الكراهية والعداء ضد العرب، وتصويرهم للعالم بأنهم إرهابيون يكرهون السلام، في مقابل اليهود " الطيبين، المكافحين، المسالمين"، الثاني : أن إسرائيل تستعد لجولة جديدة في المنطقة العربية لتحقيق حلم " إسرائيل الكبرى" والمطلوب تهيئة الرأي العام العالمي لتقبل هذا الوضع ومباركة الحلم وأصحابه.

وفي هذا المجال دفعت الصهيونية بكل ثقلها المادي والمعنوي للوقوف وراء الارهابي الصهيوني "مناحم غولان" وابن عمه" غلوباس" وشركتهما السينمائية " كانون " التي جندت ألمع الأسماء من النجوم والمخرجين والكتاب والفنيين للتعامل معها، وسيطرت على الاسواق العالمية ( الانتاج والتوزيع ودور العرض ) في حركة انقضاض سريعة لم يشهد لها مثيل من قبل في صناعة السينما العالمية، بحيث أصبح بالامكان استقرار الاستراتيجية الجديدة للسينما الصهيونية عبر ثلاث نقاط تحدد أساليبها هي: الانتهازية، والايحائية، والمباشرة:

1- أما الإنتهازية فتتجلى في السينما الصهيونية عندما تخرج موضوع اضطهاد اليهود من إطار الدين بعد أن روجت طويلاً لذلك الاطار، وتعوضه بصيغة أكثر اقتراباً من مفاهيم العصر، حيث لم تعد صيغة الإطار الديني والطائفي صالحة للحوار، فوضعت ثقلها كله وراء ما أسمته " اضطهاد اليهود " كشعب وكجنس وككيان بشري من حقه أن يعيش كبقية البشر.

2- وأما الايحائية فتتجلى في عدم إظهار المفاهيم الصهيونية بإطار مباشر، ولكن بتكتيكات مختلفة فيها إيحاء يناسب تطورات العصر والأحداث الدولية.

3- وأما المباشرة فتبدو في تبني المفاهيم الصهيونية بصورة سافرة على أنها دعوة إنسانية لجميع العالم.

هذه الأساليب تستخدمها الصهيونية من خلال مفهوم سياسة " الذراع الطويلة "، وعلى المستوى العسكري نفسه الذي يلجأ إليه الجيش الاسرائيلي على الرغم من أن السينما داخل الكيان الصهيوني سينما محدودة، قامت منذ البداية على أموال ومواهب الآخرين، ولا تستطيع الاستغناء عن الدماء التي تحقنها من الخارج، وعلى الرغم من وسائل الدعاية والجذب والاغراء التي تعتمدها في دعوة السينمائيين لتحقيق أشرطتهم في إسرائيل حيث الامكانات، والتسهيلات، والقروض، والمناطق الملائمة للتصوير، والايدي العاملة الرخيصة، وذلك من أجل تحقيق تعاون مع صناعات السينما المتقدمة، بحيث تكون السينما الاسرائيلة هي المستفيدة في النهاية.

ثانياً- المواجهة العربية

بعد هذا يمكن أن نطرح السؤال التالي :

ما هو الحجم الحقيقي للمواجهة العربية للسينما الصهيونية ؟ وهل هناك في الاساس مثل هذه المواجهة للحرب الشرسة التي تشنها هذه السينما على العرب، على طارف تاريخهم وتالده بدءا من سلسلة الاشرطة عن الحروب التاريخية بين العرب و الفرنجة وانتهاء بالاشرطة التي تشوه واقع المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني؟

في أوائل شهر مايو/ أيار 1968 أقامت جامعة الدول العربية احتفالات في مبناها بالقاهرة، لتوزيع الجوائز على الفائزين في مسابقة أفلام القومية العربية، وفي هذا الاحتفال أعلن الأمين العام أن الجامعة أعدت مشروعاً لإنشاء هيئة عربية لإنتاج السينمائي برأسمال قدره ثلاثة ملايين من الجينهات الاسترلينية، وتشترك الدول الاعضاء في الجامعة في هذه الهيئة، ويعتبر هذا المشروع أول خطوة جادة لمواجهة النشاط الصهيوني في السينما العالمية، وكانت تلك الخطوة أول خطوة يتخذ فيهاالعرب موقفاً ايجابياً إزاء الفيضان الهائل الذي غزت به الصهيونية شاشات العالممن أفلام تمجد الكيان الصهيوني وتزيف التاريخ العربي والحق العربي. كانت خطوة متواضعة نسبياً إذا ما قورنت بمئات الملايين من الدولارات التي تنفق سنوياً على الافلام التي تخدم الدعاوة الصهيونية والسياسية الاسرائيلية، ولكنها كانت خطوة اولى ايجابية ومهمة، فحتى ذلك التاريخ كانت البلاد العربية تكتفي باتخاذ موقف سلبي، وهو منع الاشرطة الصهيونية ومنع أشرطة النجوم المشتركين فيها من العرض في دور السينما في الاقطار العربية. كما حاولت السينما المصرية في تلك الفترة أيضاً أن تواجه الضغط الاسرائيلي على السينما، فكونت شركة الانتاج العالمي (كايرو فيلم ) لهذا الغرض، ولكن هذه الشركة لم تستطع أن تحقق أعمالاًسينمائية ذات قيمة عالمية، لأن إمكانياتها المادية لم تكن كافية لتجعلها قادرة على الدخول في عملية الانتاج الكبير التي تصل ميزانياتها الانتاجية الى أرقام كبيرة، وعندما جاء عبد الحميد جودة السحار إلى إدارة مؤسسة السينما وفكر في أن يفتح باب السينما العالمية، وأن يبدأ باجتذاب الشركات العالمية إلى مصر، اصطدمت محاولته بالروتين والاجراءات الادارية والمالية.

لقد أدركت جامعة الدول العربية أغراض النشاط الاسرائيلي في السينما العالمية، فسعت إلى إنشاء الهيئة السينمائية العربية المشتركة، لتقاوم بها السيطرة الصهيونية على شركات السينما العالمية، فأعلنت عن إنشاء الهيئة وأهدافها، وكيفية تكوينها والمساهمة في رأسمالها، ولكن المساهمات ظلت محدودة والتجربة مراوحة في مكانها، وظل قرار الجامعة العربية الخاص بالمقاطعة السينمائية أحد الأساليب الفعالة في مجابهة هذه السينما المعادية من خلال النص التالي: " يحظر عرض الأفلام الأجنبية بكافة نسخها ولغاتها المختلفة في جميع البلدان العربية، في الاحوال التالية:

1- إذا كان الفيلم، قصة وحواراً ومضموناً، قصد به تشويه تاريخ العرب، ديناً، أو قومية في الماضي أو الحاضر.

2- إذا كان الفيلم، قصة وحواراً ومضموناً، قصد به الدعاية الاسرائيلية أو الصهيونية، أو استدرار العطف عليها.

3- إذا اشترك في تمثيله ممثلون من ذوي الجنسية الاسرائيلية.

4- إذا كان الفيلم قد صور بكامله أو بعض أجزائه في اسرائيل أو كان من إنتاج إسرائيلي أجنبي مشترك.

5- إذا اشترك في تمثيله ممثلون أو ممثلات أجانب تثبت ميولهم الصهيونية، وفي مثل هذه الحالة، تمنع جميع الافلام التي يشترك الممثل أو الممثلة في أدوار فيها، ويعتبر الممثل أو الممثلة من ذوي الميول الصهيونية في الأحوال التالية : أ- إذا ثبت بأدلة مقنعة نتيجة تحريات رسمية، تكرار تبرعه أو قيامه بجمع تبرعات بأية وسيلة كانت لإسرائيل أو لهيئات صهيونية، وذلك بعد الاتصال به وإفهامه أن عمله هذا يعتبر تحيزاً منه لجانب إسرائيل والصهيونية، ب- إذا طلبت منه إحدى الهيئات الخيرية العربية التبرع فرفض ذلك مع قيامه بالتبرع بمبالغ كبيرة لإسرائيل أو لهيئات أو جمعيات صهيونية، ج- إذا دعي إلى زيارة البلاد العربية أو القيام ببعض الادوار في أي إنتاج عربي_ أجنبي مشترك، فرفض ذلك في الوقت الذي يكون فيه قد لبى دعوات مماثلة من إسرائيل، ما لم يقدم مبررات مقنعة لرفضه الدعوة أو عدم اشتراكه في التمثيل، د- إذا كان عضوا في إحدى المنظمات الصهيونية وله نشاط ملحوظ فيها، بعد إنذاره وفقاً للأصول بالانسحاب من هذه المنظمة.

وإذا كان لا بد من إعادة النظر في هذا النص، فإن هذا يجب أن يقوم على أساسين : أولهما سياسي والثاني فني. فمن الناحية السياسية لا يعد أسلوب الإنذار الاسلوب الصحيح لكسب فرد ما أجنبي ليأخذ الموقف المناقض لموقفه، وإنما الاسلوب الصحيح هو أن يكون هناك وجهة نظر عربية مقابلة مطروحة على الرأي العام العالمي ليقتنع بها من يشاء، سواء كانت مهنته التمثيل أو أية مهنة أخرى. بل إن هذا الاسلوب في الافهام والطلب والتبرع والدعوة إلى الزيارة أو التمثيل ثم الانذار، هو الذي تستطيع اسرائيل أن تستغله للحصول على مزيد من التأييد لها، فتجعل المتبرع عضواً في منظمة صهيونية. والدليل أن كل ممثل تقاطعه الدول العربية، يجد أمامه العديد من المشاريع والاعمال من جراء عطف الصهيونية عليه واحتضانها له. إنها تستغل وجوده على اللائحة السوداء لكي تصنع منه منشطاً إعلامياً صهيونياً، وهذا هو الخطر.

وقد يستغرب القارىء عندما يعرف أن السينما العربية لم تنتج فيلماً واحداً عن عدوان يونيو حزيران 1967، في حين أنتجت السينما الصهيونية عشرات الافلام الروائية والتسجيلية حول هذا الموضوع. صحيح أن الحدث كان هزيمة عسكرية، ولكنه في الوقت ذاته، كان فرصة، فهناك عشرات من القصص الانسانية الرائعة التي لو أحسنت صياغتها سينمائياًلاستطاعت أن تشكل رأيا عاما دوليا حول بشاعة هذا العدوان وحقيقته، وأبعاده، وأساليبه، ومخططاته الاستعمارية.

والمؤسف، في هذا المجال، أن مهرجانات السينما العربية لم تعد موضوع مجابهة السينما الصهيونية أي اهتمام يذكر، إن كان في مهرجان القاهرة، أو قرطاج، أو دمشق، أو غيرها، لا في الندوات ولا في التوصيات. وإذا كانت هذه المهرجانات قد اختفت في السنولت الاخيرة بالاشرطة المنتجة عن القضية الفلسطينية ومنحت بعضها جوائز،فإنها ظلت غائبة عن موضوع السينما الاخرى، المعادية، وطرق مجابهتها. ويمكن أن نشير إلى بعض الاستثناءات، كالمهرجان الدولي الثاني لافلام وبرامج فلسطين، الذي أقيم في بغداد في مارس / آذار 1976، وقدمت فيه بحوث تكشف واقع السينما الصهيونية، وكذلك حلقة دراسية حول هذا الموضوع أقيمت في بيروت في نهاية السبعينات، ثم نشرت بحوثها في كتاب. يضاف إلى ذلك تخلف الإعلام العربي كثيراً من محاربة الصهيونية على جبهة السينما.

ثالثا- ما بعد الاختراق :

بعد عملية الاختراق الكبيرالذي حققته السينما الصهيونية- والاسرائيلية بعض منها – في المهرجانات العالمية، انتقلت في عقد الثمانيات إلى مرحلة الاحتواء للسينما في بلدان كثيرة من العالم، إنتاجاً وتوزيعاً وعرضاً، وغزت نشراتها السينمائية أقطار الدنيا، وبخاصة نشرات: مركز الفيلم الاسرائيلي، ومعهد الفيلم الاسرائيلي، وكلها تصدر عن وزارة الصناعة والتجارة والسياحة.

وقد تركزت أشرطة الثمانيات الصهيونية حول فكرة حماية إسرائيل وتطورها وتقدمها، والدعوة إلى الهجرة إليها، والتركيز على بعض السلبيات والصراعات الداخلية ضمن لعبة الديمقراطية المزعومة، إضافة إلى الدعوة للتعايش مع العرب كما في فيلم " خلف القضبان " الذي مولته الحكومة الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، لا تألو السينما الصهيونية جهداً في تزييف التاريخ، فتلجأ إلى 1- تزوير التاريخ الفلسطيني وطمس الجغرافيا العربية، مدعية اولوية الوجود اليهودي في هذه الأرض، 2- استغلال كل صغيرة وكبيرة في الارض المحتلة سينمائياً، 3- التطور والمدنية لدى الصهيوني مقابل التخلف لدى العربي، 4- قوة وعظمة الجندي الصهيوني في الحرب والسلم، 5- الدعوة إلى هجرة بقية يهود العالم إلى " أرض الميعاد " لبناء صحراء النقب.

ويتوزع إنتاج السينما الصهيونية على ثلاثة أنواع : 1- السينما الناطقة باللغة العبرية، وهي سينما محلية تغذي السوق المحلية، وتركز على الموضوعات الاجتماعية والحروب والإثارة التجارية، والعنف، وكذلك الميلودراما الساذجة، 2- السينما الصهيونية المنتجة على الصعيد العالمي، وهي تختلف اختلافاً كبيراً عن السينما المحلية، إذ تتميز اشرطتها بتقنية عالية، إضافة إلى موضوعاتها الشاملة نسبياً، 3- سينما الانتاج العالمي في الأرض المحتلة، ويستهدف الكيان الصهيوني اعتماد خطة خاصة بهذا الإنتاج، كجلب المخرجين والمنتجين العالميين. وأكثر الانتاج هو للأمريكيين.

وتتوزع هذه الاشرطة باختلاف وتنوع وتعدد أهدافها وجمهورها ومستوياتها التجارية والفنية: فهناك الأفلام الروائية المقتبسة عن روايات تصور تفوق اليهود في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ونجاحاتهم في المجتمعات الغربية. الأفلام السياحية التي تدعو إلى زيارة اسرائيل. أفلام التجسس والحرب، وهي من أخطر الأسلحة في الإعلام السياسي المباشر، فالصهيونية تستفيد من مقولة التفوق العسكري في دعم سياستها العنصرية، وفي الترويج، وفي الوقت نفسه، لفكرة أن إسرائيل" دولة متحضرة تدافع عن نفسها وسط دول متوحشة وعنيفة". أفلام سينمائية وتلفزيونية تشوه صورة الإنسان العربي. أفلام الكيبوتز التي يصورها الزوار الأمريكيون والاوروبيون بعد مشاركتهم في الكيبوتزات الصهيونية، مما يسبب تأثيراً مباشراً في نفوس الشبيبة في الغرب. أفلام تصور استخدام الطقوس الدينية في تأكيد حق اليهود في استرجاع " أرض الميعاد ". استخدام أهم المرتكزات الصهيونية، وهي القومية اليهودية. الاستمرار في ابتزاز المجتمع الأمريكي لتأمين الدعم المادي.

ومنذ الآن تدرس خطط مرحلة الاحتواء التي تسعى السينما الصهيونية إلى تحقيقها في عقد التسعينات، وتشمل النقاط التالية: اختراق أوسع لمهرجانات السينما العالمية، ليس في العروض فقط، بل في محاولة الاحتواء التجاري وعقد صفقات عرض أفلام، وتنفيذ إنتاج مشترك مع مختلف الدول والمؤسسات المشاركة في هذه المهرجانات. تقديم المزيد من التسهيلات للشركات وللمخرجين الذين يحققون أفلامهم قي إسرائيل، على الرغم من الأزمة الإقتصادية المتفاقمة فيها. إغراء بعض المخرجين العرب بوسائل الترغيب المختلفة لتحقيق أفلام تخدم أهداف الصهيونية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. محاولة الوصول إلى المتفرج العربي ولو بطريقة التسلل. شراء المزيد من دور العرض في العالم، للتحكم في نوعية الأفلام التي تعرضها. السيطرة من خلال شراء أسهم، على شركات وشبكات والتوزيع السينمائي في العالم. توسيع مجال استخدام الشاشة الصغيرة " التلفزيون والفيديو " لخدمة الأشرطة عن طريق الشركات التي ستتولى البث بالاقمار الصناعية على قنوات عديدة إلى أكثر أنحاء العالم. محاصرة السينما العربية والسينمائيين العرب في كل مكان. محاولة التسلل ألى الدول الإشتراكية، إن كان عن طريق المخرجين أو عن طريق مسؤولي الانتاج، أو المهرجانات، لتحقيق المزيد من الاختراق للسينما الاشتراكية، وللمهرجانات التي تقام فيها. زيادة الانتاج الاسرائيلي المحلي، والابتعاد عن طريق المخاطبة التقليدية، وابتكار طرق جديدة تعتمد آخر معطيات الساحة السياسية الدولية في الترويج للحلم الصهيوني الكبير في إقامة دولة إسرائيل الكبرى الحديثة، والقوية، والحضارية، والمتقدمة " بحيث تكون منارة في المحيط المتخلف في منطقة الشرق الأوسط ".

خاتمة

وهكذا نرى أن مقولة " أعرف عدوك " لم تكن منطلقنا في هذا البحث فحسب، ذلك لأن هذه المقولة التي أطلقت شعاراً في بداية الخمسينات، أصبحت اليوم وبعد مرور أربعة عقود على قيام الكيان الصهيوني في أرض فلسطين العربية، وبعد خمس حروب بين العرب وإسرائيل، أصبحت مقولة يجب تجاوزها إلى ما هو أكثر من " المعرفة " في معركة مصيرية حاسمة। وإذا لا بد من المعرفة، فلتكن في أساليب المجابهة العربية الشاملة لهذا التوسع السرطاني الذي تعتمد فيه الصهيونية مجموعة متكاملة ومتنوعة من الأسلحة الحديثة، تستخدمها القوى والمؤسسات والمنظمات الصهيونية، في تشويه وتطويق الحق العربي، وتأصيل الحق اليهودي التوراتي، ومن هذه الاسلحة، فن السينما ومعه التلفزيون والفيديو، الذي أصبح أكثر الفنون تأثيراً وانتشاراً في العالم منذ بداية القرن حتى الآن.

http://www.najah.edu/index.php?news_id=5429&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment