Monday, December 14, 2009

الوفاة وما يتبعها من عادات في جنين

الوفاة وما يتبعها من عادات في جنين

لتحميل النص اضغط هنا

1900-1974

علي الجرباوي

المفاهيم الشعبية لأسباب الوفاة

منذ مطلع هذا القرن وحتى يومنا هذا تغيرت مفاهيم الناس للأسباب المؤدية للوفاة، ففي مطلع هذا القرن أيام الحكم العثماني كانت الأمراض المعروفة في هذه المنطقة قليلة جدا كما أن الأطباء والأدوية الحديثة لم تكن متوفرة و كان التداوي بالأعشاب وأساليب الطب العربي الأخرى هو المنتشر. كان الناس في ذلك الوقت يطلقون أسماء خاصة على الأمراض وهي أسماء عامة وشاملة فقد كانوا يقولون "مات فلان بنزلة صدرية" وقد كانت النزلة الصدرية دليلة على كل مرض داخلي. كانوا في ذلك الوقت يعرفون الأورام و كانوا يستطيعون التفريق بين ما هو خبيث وما هو بسيط فكانوا يقولون "فلان مات لأنه مصاب بالخنزيرة" حيث كانوا يطلقون هذا الاسم على الأورام التي كانت تتكاثر، أما النوع الأخر فكانوا يقولون عنها "فلان رقبته كلها خلند" وكانوا يقصدون بالخلند الأورام التي لا تتكاثر. كان هناك مرض مميت و أعراضه فتحة في الظهر ينزل منها الأوساخ فكانوا يقولون "فلان طلع في ظهره ضواية ومات منها" وتحليل كبار السن في المنطقة عن هذا المرض هو أن الضواية هي السرطان في وقتنا الحاضر الوفاة المفاجأة مع أن حدوثها كان قليلا في ذلك الوقت كان لها الأخرى نصيب عندهم حيث كانوا يقولون عن أي شخص يموت موتا فجائيا أنه "مات سكتة قلبية". في بعض الأحيان كانوا يقولون "فلان مات من نقطة في قلبه أو دماغه" وهم يعنون بذلك تجلط الدم "ما يسمى بالجلطة في وقتنا الحاضر".

بالنسبة للنساء اللواتي كن يتوفين و هن حوامل أو أثناء الولادة أو بعدها كان الناس يقولون "ماتت فلانة و هي نفاس" حيث كانوا يعتقدون أن الوفاة لابد وأن تكون ناتجة عن الحمل وتوابعه. لقد استرعت الأدوية اهتمام الناس باعتبارها أسبابا تؤدي و كانت تسمى "بالوقع" حيث كانوا يعرفون الحصبة و الجدري اللذين يصيبا الأطفال و كذلك الملاريا و السل الذي كانوا يسمونه السخونة أو المرض العاطل. كانوا يعرفون التيفوس و أنه يسبب الوفاة و لكنهم كانوا يسمونه "ضربة شمس" حيث كانوا يقولون "الوقع طب في البلد وكل يوم حوالي سبعة أو ثمانية يموتون".

أما عن علاقة الدين بالوفاة فهي وثيقة وذلك لارتباط الناس الشديد بالين فقد كانوا يقولون عن الذي يموت وهو في عنفوان الصحة و القوة "مات موتة ربه" وكانوا لا يناقشون في ذلك لأن هذه إرادة الله. والاعتقاد بالحسد و الإصابة بالعين كان شائع بكثرة إذ كانوا يعتقدون أن موت الفتى اليافع أو الشاب القوي الجميل لا بد وأن يكون ناتجا عن "إصابة العين"،وغالبا ما تتهم عجوز كبيرة السن بأنها هي التي حسدت المتوفى. وقد تلاشت هذه النقطة تدريجيا و نتيجة للاتصال السريع بأجزاء العالم الأخرى و الاختراعات العلمية الكثيرة مع أن جذورهما لا زالت موجودة حتى يومنا هذا.

و في الفترة ما بعد الحكم العثماني الذي بسط نفوذه على فلسطين بما في ذلك جنين –احتل الإنجليز هذه البلاد وبدأ وجود الأطباء العصريين و معرفة الأدوية ينتشر في تلك الفترة ومن هنا تغيرت مفاهيم الناس بالنسبة للأمراض و أسمائها أصبح الناس يعرفون الزائدة الدودية والمصران الأعور و يقولون بأن سبب وفاة ذلك شخص أو ذاك هو نتيجة التهابات بهما. أصبح في ذلك الوقت التفريق بين الأوبئة ممكنا كما أنهم أصبحوا يطلقون الأسماء العلمية على الأمراض الأخرى مع أن وجود الأسماء التقليدية لم تتلاشى كليا إذ لا يستعملونها حتى يومنا هذا للدلالة على اسم مرض لا يريدون ذكره لأنهم يتشاءمون من ذلك، ولذلك نراهم يطلقون على مرض السرطان اسم "المرض العاطل" أو"الخبيث" أو يقولون " فلان معه من ذلك المرض (السرطان). ومع تقدم الزمن تقدم العلم و أصبح الطب مادة منتشرة و الأطباء كثيرين و عم الوعي بين الناس و أصبحوا يعرفون الأمراض و أسمائها و ما هو بسيط منها و ما هو خطير. هذا بالنسبة للأسباب المؤدية للوفاة الطبيعية في نظر الناس مع مطلع هذا القرن حتى وقتنا الحاضر.

كيفية انتشار خبر الوفاة:

في بداية هذا القرن كانت جنين لا تزال قرية صغيرة يقطنها عدد قليل من "الحمايل"، فإذا ما مات أحد السكان – أكان ذلك ليلا أم نهارا- فإن أهل البلد يستطيعون تميز ذلك من خلال الأصوات العالية – الصراخ- من قبل أهل الميت حيث يقال دار فلان فيها صياح، روحوا يا أولاد شوفوا شو صار فيأتي الأولاد بالخبر بعد ذلك. يقوم أقرباء الميت المقربين بإخبار بقية الحامولة و في خلال ساعات قليلة يكون جميع من في البلد قد عرفوا الخبر، إذا أراد أهل الميت إخبار القرى المجاورة التي لها علاقة مع الميت كانوا يرسلون لهذا الغرض شخصا يسمى بالساعي أو الخيال. منذ القدم و حتى نهاية الأربعينيات من هذا القرن كان جميع أهل البلد يعطلون أعمالهم في ذلك اليوم –للاشتراك في مراسم الدفن و ما يتبع ذلك حتى و لو كان بينهم خصومات أو عداء مستحكم حيث تقولون "لا تصل الموت ما بتمش فيها حكي" (أي عندما تصل الموت لا يبقى فيها كلام). و في كثير من الأحيان تستغل الوفاة وكذلك الأفراح – كحالة يلم فيها شمل ذوي الخصومات حيث يتم الصلح بهذه المناسبة فترى الجميع يشتركون في المراسيم و بعدها تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية بعد أن ينتشر الخبر كان الرجال يذهبون رأسا إلى بيت أحد الأقارب الميت وعموما كانوا يفضلون أن يكون هذا البيت قريبا على بيت الميت كانوا يجلسون هناك حيث توزع القهوة السادة – تعبيرا عن الحزن وإعلانا للحداد – وذلك بانتظار وقت الجنازة التي غالبا ما تكون بعد صلاة الظهر إلا في حالات خاصة ستذكر فيما بعد. أما النساء فكن يذهبن رأسا إلى بيت الميت حيث يجئن قريبات الميت ويشتركن جميعهن بالبكاء والعويل عليه.

بالنسبة لعلماء الدين فلهم مكانه خاصة وقد كان ولا يزال يعلن عن وفاة من له مكانة دينية مرموقة في البلد بواسطة الأذان –الدعوة إلى الصلاة- بدون أن يكون الوقت وقت صلاة، أما بالنسبة للزعماء وذوي المكانة العالية فيقرأ القرآن عبر مكبرات الصوت في المسجد دليلا على أن شخصا "له وزنه" قد توفي. أما في الوقت الحاضر فيعلن عن نبأ الوفاة في الإذاعة والصحف بالإضافة لما ذكرت سابقا.

ما قبل الدفن:

العادة المتوارثة في جنين منذ القديم أن الميت يجب أن يدفن في نفس اليوم الذي يموت فيه إن أمكن ذلك وهم بذلك يطبقون الشريعة الإسلامية إذ يقولون "إكرام الميت دفنه" وقد يؤجل الدفن لمدة يوم واحد على الأكثر في حالات خاصة كان يكون وقت الوفاة متأخرا كساعات ما بعد الظهيرة- مع أنهم في بعض الحالات يقومون بالدفن على أضواء المصابيح أو أن يكون للميت أقارب أعزاء في مكان بعيد فينتظر قدومهم لوداعه .

يسجى الميت في منزلة على أن يواجه القبلة و يكون رأسه لجهة الغرب و قدميه لجهة الشرق و ذلك بعد أن يجمع فكه الأسفل مع بقية رأسه بواسطة ربطة تسمى "وزرة" كما تربط رجلاه بنفس الطريقة وذلك بعد أن يقوم أحد الموجودين بتسبيل عيون الميت و ضم أصابع يديه و رجليه بحيث تكون بشكل طبيعي. بعد ذلك يغطى الميت بقطعة قماش غالبا ما تكون بيضاء و في العادة يكشف الغطاء عن وجهه حتى يكون باستطاعة من يدخل أن يلقي عليه نظرة أخيرة و في أثناء ذلك كله يقرأ القرآن في الغرفة التي يوجد فيها الميت.

يتفرق عدد من أقارب الميت في البلد وذلك للقيام بأعمال ضرورية فمنهم من يذهب إلى المقبرة مع عدد من العمال حيث يتم حفر القبر و إذا كان الميت قد أوصى بأن يدفن فوق إنسان آخر(1) فيهدم القبر الأول و يحفر مرة أخرى و يتم جمع العظام الموجودة فيه في مكان ما حتى وقت الدفن ولكن يراعى بأن يكون قد مضى مدة لا تقل عن عشر سنوات على الميت الأول حتى يمكنهم فتح قبره حتى يكون من المؤكد بأن جسمه قد بلي كليا. ومن الأقارب من يذهب لشراء لوازم غسيل الميت حيث لا يجوز استعمال أية أداة مستعملة من قبل فيتم شراء ليفه و إبريقين و صابونه وزجاجة عطر ومنشفة ويراعي أن يكون كل من هذه الأشياء طاهرا(2). يعهد إلى أحد الخياطين لتجهيز الكفن و يتم إحضار التابوت و الطاولة التي يغسل عليها الميت من المسجد إلى بيته. بعد انتشار خبر الوفاة تبدأ النساء بالوفود إلى بيت الميت حيث يجتمعن للنواح والبكاء عليه أما الرجال فيكونون مجتمعين في مكان أخر كما ذكر سابقا.

غسيل الميت و تجهيزه و تكفينه:

يغسل الميت حسب الشرع الإسلامي مع إضافة عادات متوارثة لم يحددها الشرع توضع الطاولة و يوضع عليها أوراق أشجار مثل الريس و الصنوبر و الليمون و يسجى الميت فوقها و تغطى العورة بقطعة قماش و بعد ذلك يبدأ "المغسل" بتغسيله. غسيل الميت في العادة يكون بطريقة أقسى من حمام الشخص العادي لأنه يجب أن يكون نظيفا عند ملاقاة ربه يقرأ أثناء العملية آيات من القرآن و بعد الانتهاء يرفع الميت و يقلب ثلاث مرات حيث يوضع رأسه بين فخدين و يضغط المغسل بيده على أسفل البطن و ذلك حتى يتم إنزال بقايا البول. بعد ذلك يسبع الميت ثم يجفف و يكفن بعد أن يرش العطر عليه. و في العادة يكون الكفن مؤلفا من:

1- الوزرة: وهي قطعة قماش تلف بها عورة الميت –تكون بشكل حفاظ-و يعتقد بأن الوزرة هي ما يتبقى على الإنسان في يوم الحشر.

2- ثوب الحق: وهو عبارة عن قطعة قماش لا تخاط بل يفتح بها فتحة يدخل منها الرأس و تبقى مثل دشداشة.

3- الكفن: وهو عبارة عن قطعة قماش تخاط بطريقة خاصة بحيث تخطي جسد الميت كله.

وفي الوقت الحاضر أصبح من المتعارف عليه إن يلبس الميت سروالا و قميصا داخليا بالإضافة إلى ما ذكر. وفي أثناء غسيل الميت يجب أن تكون جميع الأدوات و الأشخاص المشتركين بعملية الغسيل و التكفين طاهرة كما أن لا يسمح إلا للأقارب المقربين جدا للميت بحضور غسيله بالإضافة إلى "المغتسل".

ملاحظة:و في العادة يعطى المغسل بالإضافة إلى النقود ملابس الميت أو قسما منها أن توزع ملابس الميت على الفقراء بعد مماته.

بعد ذلك ينقل الميت إلى حيث كان قبل –الغسيل- مكان وجود النساء-ويغطى الميت بقطعة قماش، وإذا كان الميت ذكرا فيسمح للرجال و النساء المحرمات عليه بلمسه و تقبيله بعد غسله. أما إذا كان الميت أنثى فتجرى العملية (الغسيل والتكفين) نفسها بفارق أن الذي يقوم بالغسيل هي "المغسلة"، كما يسمح للنساء و الرجال المحرمين عليها بلمسها بعد الغسيل ولا يسمح لزوجها بذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)يستطيع الذكر أن يوصي بأن يدفن على أي قريب ذكر كما يستطيع أن يدفن على النساء المحرمات عليه فيما لو كان حيا و العكس صحيح.

(2)حسب الشريعة الإسلامية يجب أن يكون كل شيء مستعمل نظيفا وغير نجس وإذا شك في ذلك يتم تسبيع ذلك الشيء بأن يغسل سبع مرات يتم قراءة شيء من القرآن و التشهد خلالها. عملية الغسيل و التكفين تجرى لكل ميت أكان صغيرا أم كبيرا ذكرا أم أنثى وذلك تماشيا مع الشرع الإسلامي.

موكب الجنازة:

قبل موعد الأذان بحوالي ساعة يحضر الرجال من المكان الذي يكونون مجتمعين فيه و غالبا ما يكونون من أقارب المتوفى أنسبائه و أصدقائه و الجيران و يدخلون على بيته. وفي هذه اللحظات يرتفع صوت النساء بالعويل و الصراخ إذ يقوم من يريد من الرجال بتوديع الميت بإلقاء النظرة الأخيرة عليه وعندما يحاولون أخذه تتشبث النساء به حيث يلقين بأنفسهن عليه و يحضنه وفي أغلب الأحيان يضطر الرجال لتفريقهن و ذلك لأخذ الميت و خصوصا إذا ما كان شابا.

يوضع الميت في التابوت الصغير الذي يكون قد زود بفرشة من القطن و مخدة محشوة بالقطن أو بأوراق الليمون حيث تحضر هذه الأشياء مسبقا. وبعد ذلك يغطى التابوت "النعش" بغطاء و عادة ما يكون عبارة عن شرشف شامي أو سجادة مرسوم عليها رسومات دينية.

يحمل النعش ويسير الموكب بمجموعة قليلة في البداية ينضم إليها آخرون ممن يتواجدون على الطريق- أبواب المقاهي والدكاكين-، ومن الجدير بالذكر أن كل شخص يكون جالسا عند مرور موكب الجنازة يقف وإذا كان رأسه مغطى –لابس طربوش أو كوفية- فانه يخلعها وذلك إجلالا وتقديرا منه للموت وللجنازة. يسير الصبيان في هذا الموكب وحين يصل الجميع إلى المسجد يوضع النعش في الداخل حيث يبقى المصلون وينتظر من لا يصلي بالخارج يمكن لأي شخص أن يعرف أن هناك ميتا من وجود عدد من سعف النخيل (1)موضوعة على مدخل المسجد. ويكون أقارب الميت جهزوها لتحمل أمام موكب الجنازة. بعد انتهاء الصلاة العادية يصلى على الميت صلاة الجنازة وبعدها يبدأ موكب الجنازة الرسمي يكون الناس مجتمعين أمام المسجد عندما يخرج المصلون بالنعش ويسير الجميع يتقدمهم الصبيان الذين يحملون سعف النخيل. يتناوب المشيعين- وخصوصا أقارب الميت – على حمل النعش إذ يعتبرون ذلك يكسبهم الثواب العظيم فيقولون "آجر"(2) عندما يبدل أحدهم بالأخر.

يجب على أقارب الميت أن يكونوا حول نعشه ويقوموا بحمله، والميت الذي لا يكون له أقارب كثيرون يحمله أهل البلد ولكن يقال فلان نعشه بتروجح (يهتز) (كأنه ليس له أقارب) يردد المشيعين العبارات الدينية مثل "إنا لله وانأ إليه راجعون ""ولا حول ولا قوة إلا بالله" "لا اله إلا الله" ويزداد عددهم كلما مرت الجنازة في شارع إذ ينضم إليها البعض ممن يكونون فيه.

في الأيام القديمة وحتى منتصف هذا القرن تقريبا كانت النساء تخرج في موكب الجنازة حيث كن يسرن خلف الرجال بحوالي خمسين مترا، وبالنسبة لقريبات الميت فكن يخرجن حفاة ويحللن شعرهن إذا كان طويلا و مجدولا ويمزقن (يشققن) ثيابهن. مما يذكر على لسان كبار السن أنهم كانوا يقدمون ما يلبسون للنساء حتى "يستروا عليهن" كما أنهم كانوا يغطوهن ويذكروهن بالله حتى يكففن عن هذا العمل وفي حالات أخرى كانت النساء تسبق الرجال على المقبرة بحيث يجلسن في مكان بعيد ويقمن بعمل "حلقه" (3)يندبن فيها الميت حتى يتم دفنه ومن ثم يتقدمن من القبر بعد خروج الرجال من المقبرة لإكمال البكاء والنواح. ولكن عادة خروج النساء هذه انتهت منذ حوالي العشرين عاما ولم تعد أي واحدة تخرج في الجنازة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الغرض من سعف النخيل هو تثبيتها على القبر بعد الدفن وذلك لوجود عادة تمنع بناء القبر قبل مرور الأربعين لذلك تثبت هذه السعف بشكل قبة حتى يعرف أن هناك قبرا.(2)يقال آجر: بمعنى ساعد زهي مأخوذة من الأجر و الثواب.(3)تقف النساء بشكل حلقة في داخلها واحدة من قريبات الميت حيث يقمن بحركات خاصة أثناء نواحهن وعادة ما تنفعل المرأة التي في الوسط فتقطع ملابسها و تهيل التراب على رأسها.

كما وأنه في الأيام القديمة عندما كانت حالات العداء منتشرة بين الحمايل "العيل"، وكان القتل منتشرا وعادة الأخذ بالثأر واردة، كنت تستطيع تمييز جنازة الشخص المقتول قتلا من بعيد وذلك لأن شباب حامولته لا يتوقفون عن إطلاق الرصاص طيلة فترة المسيرة والدفن كدليل على أنهم سيقومون بأخذ ثأر مقتولهم ، وفي بعض الحالات الشاذة كانت النخوة تأخذ بشباب حامولة المقتول فتراهم يمتطون خيولهم متمنطقين بالبنادق والرصاص ويأخذون باختراق شوارع البلدة

بسرعة كبيرة وعندما يأتي وفد الجنازة يفضلون على خيولهم، مطلقين رصاص بنادقهم ولكن هذه العادة انتهت أيضا كما انتهت سابقاتها بانتهاء التعصب القبلي للحامولة ولم نعد نرى لها أثرا في هذه الأيام.

للمكانة الاجتماعية للميت أثر كبير في كافة المراسيم التي ترافق الموت و خصوصا أثناء موكب الجنازة، فمنذ نهاية هذا القرن و حتى نهاية الأربعين منه كنت تسمع الناس يقولون والله الحامولة الفلانية عزوتها قوية، يوم ما مات فلان بينوا"أو" بينت حامولة فلان يوم ما مات، فإذا كان الميت ذا مكانة مرموقة كنت ترى موكب جنازته كبيرة مهيبة و كنت تجد صفا طويلا من أبناء الحمولة يتقبل منك التعازي بعد الدفن. وفي القديم-لأن جنين كانت لا تزال بلدا صغيرا محدود السكان- كنت تجد أن جميع الناس يشاركون بمراسيم الوفاة إذا ما كان المتوفى ذا مكانه اجتماعية مرموقة، ونحن لا زلنا نسمع قصصا كثيرة تخبرنا كيف أن يوم وفاة فلان أغلقت المقاهي أبوابها، ولبست كل نساء البلد اللباس الأسود، ولم تعد تسمع أصوات المغنين في المذياع لأن جميع السكان أغلقوها لمدة أربعين يوما تعبيرا عن حزنهم، وكيف أن جميع أهل البلد خرجوا في موكب الجنازة يصحبهم مجموعة كبيرة من أهالي القرى المجاورة. أما إذا كان الميت من ذوي المكانة البسيطة فكانت مراسيم وفاته تمر ببساطة ويشترك فيها عدد قليل من الناس و هم أقاربه، أما إذا كان ليس له أقارب فيدفنه الجيران وبعض المصلين الذين يمشون في كل جنازة لأنهم يعتبرون ذلك إحسانا سيكسبهم الثواب عند الله، ويقال بأن "نعش فلان مايل" في هذه الحالة دلالة على عدم وجود أقارب يحملونه وهذا دليل واضح على أهمية الأقارب في الزمان القديم وفي يومنا الحاضر.

وبالنسبة للنساء فعندما تتوفى إحداهن يكون موكب جنازتها متناسبا مع مكانة عائلتها –عائلة زوجها إن كانت متزوجة أو عائلة أبيها إذ كانت عازبة- حسب ما ذكرنا سابقا.

و في وقتنا الحاضر لا تزال المكانة الاجتماعية تلعب دورا بارزا في موكب الجنازة، فذوي المكانة الاجتماعية العالية يشترك في تشيعهم العدد الكبير من السكان – سكان المدينة و سكان المدن الأخرى- ويعرف الجميع خبر وفاتهم في نفس اليوم الذي يموتون به، أما ذو المكانة الأقل أهمية أو الفقراء فإننا نجد أن المشتركون في التشييع قليلون، كما أن معظم السكان لا يعرفون بخبر الوفاة إلا بعد مدة طويلة و ذلك لاتساع المدينة ولوجود عناصر كثيرة غير معروفة من قبل السكان الأصليين حيث أن هجرة الفلاحين من القرى إلى المدينة و الاستيطان بها كبيرة نسبيا ويضرب في هذا المجال مثل يقول:"موت الفقير وشرمطة الغني ما حدا بدري عنهم".

الدفن:

عندما تصل الجنازة إلى المقبرة يتوجه الجميع إلى مكان المقبرة المجهز حيث يوضع التابوت بالقرب منه ويحيط الأقارب والأصدقاء به حيث يقومون بتوديع الميت الوداع الأخير وقد يقبلونه ومن ثم يقوم أقرباء الميت بنقله إلى القبر بمساعدة أحد الأشخاص الذي ينزل إلى القبر قبل ذلك. وفي حالة ما يكون الميت امرأة فان أحدهم يصيح في المشيعين غضوا من أبصاركم أو يتم وضع شرشف كحجاب عندما يتم نقلها من التابوت إلى القبر وذلك خوفا من أن يفتح الكفن وتظهر عورتها للناس. بعد ذلك يسجى الميت في اللحد (1) بحيث يكون مواجها للقبلة، ويكون رأسه من الجهة الغربية – أي أن القبر يجب أن يكون باتجاه شرق غرب، يقوم الشخص الموجود في القبر بفك الوزرات. وبعدها-في الزمن القديم- كان يوضع بعض ذرات من التراب في عيني الميت حيث كانوا يقولون "الإنسان لا تملأ عينه غير ذرة التراب" وذلك كتعبير على أن الإنسان يبدأ من التراب واليه يعود في نهاية المطاف، أما هذه العادة فقد انتهت وحلت مكانها عادة جديدة و هي أن يرش على الكفن حفنة من التراب يقول ملقيها "خلقت من التراب و إليه رجعت" إذا كان الميت قد وضع على أحد غيره تضاف العظام التي وجدت في اللحد فوق جسم الميت ويراعى أن يوضع الميت بشكل مريح بحيث يقال لمن يقوم بتسجيته "عليك بأن تريحه في نومته ونومته طويلة ريحه فيها". بعد ذلك تثبت السقايف(2) فوق اللحد و يغلق كل منفذ بينها بواسطة الحجارة الصغيرة و الطين. بعد ذلك يحضر الشيخ لتلقين الميت و التلقين غير موجود في الشريعة الإسلامية أصلا ولكنه يمارس لوجود اعتقاد يقول لأن روح الميت تكون حتى ذلك الوقت موجودة على الأرض و بالقرب من المقبرة لذلك يمكننا اعتبار التلقين وصية يعطيها الشيخ لذلك الميت ليتبعها عند لقاء الملائكة(3)الموكلين به. وتلقين الميت عادة ممارسة منذ الزمان السحيق-ليس في جنين فقط و إنما في كل المناطق الأخرى- وقد أصبحت من المستلزمات في عملية الدفن وإن اختلف في بعض الأحيان بكيفية صياغة الكلمات التي تقال ولكن يوجد إجماع شبه عام بأن الشيخ يلقن الميت بعد تثبيت السقايف و قبل إهالة التراب وذلك بأن يجلس القرفصاء عند حفة القبر الغربية حيث يكون رأس الميت تحته مباشرة وعند ذلك يصيح أحد الموجودين "غفر الله لمن جلس" فيجلس الجميع القرفصاء و ذلك احتراما وإجلالا للموقف، ويبدأ الشيخ بالتلقين فيقول:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" "بسم الله الرحمان الرحيم" "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وانأ إليه راجعون. "كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور". "يا عبد الله وابن أمته، مت وذهبت عنك الدنيا وهذه الساعة آخر ساعاتك من الدنيا وأولها من الآخرة حتى الحشر واللقاء وهو لقاء الله الذي لا بد لنا منه، فإذا أتاك الملكان الموكلان بك وبأمثالك من أمة محمد. فلا يعجزاك ولا يرعباك واعلم أنهما من خلق الله كما أنك من خلق الله تعالى فإذا أجلساك وسألاك ما دينك وما اعتقادك وما الذي مت عليه فقل لهما بلا خوف منهما ولا فزع ،الكافي لي هو الله، فإذا سألاك الثانية فقل لهما الله ربي حقا ومحمد نبيي صدقا والكعبة قبلتي والصلاة فريضتي وأنا وأنتم على قول لا اله إلا الله محمد رسول الله. اعلم يا عبد الله أن الموت حق و أن النار حق و أن سؤال القبر حق (4) و إن الميزان حق. هذا بلاغ للناس و لينظر به و ليتذكر أولوا الألباب. لقنك الله حجتك، وبيض الله صفيحتك، ورحم غربتك و أنزلك منزلا مباركا و هو خير المنزلين وصدق الله العظيم".

بعد أن ينتهي الشيخ من تلقين الميت يقرأ الجميع الفاتحة و يبدأ بإهالة التراب فوق السقايف حتى تصل إلى مستوى سطح الأرض و في هذه الأثناء يصيح أحد الموجودين بجانب القبر"عظم الله أجركم" "انتشروا أثابكم الله" وهذا القول عبارة عن دليل بانتهاء الجنازة يبدأ بعده المشيعون بمغادرة المقبرة بعد أن يقدموا تعازيهم إلى أهل الميت الموجودين بجانب القبر، و في الماضي كان أقارب الميت ينتظمون صفا طويلا حيث يقدم لهم المشيعون التعازي واحدا بعد الأخر كما ذكرت سابقا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)اللحد هو ذلك الجزء من القبر والذي يكون بقدر حجم الميت حيث يوضع فيه.(2)السقايف هي عبارة عن مجموعة من الحجارة الكبيرة التي تثبت على حفة اللحد وذلك حتى تمنع التراب من أن يأتي على الميت رأسا.(3)يوجد اعتقاد بأن كل من يموت يأتي ملكان له بعد أن يدفن في القبر ويسألاه عدة أسئلة يجب عليه أن يجيب عليها.(4)سؤال القبر هو ما ذكر قبل ذلك عن سؤال الملكان للميت في قبره.

بعد ذلك يذهب الجميع ما عدا أقارب الميت وأصدقاءه حيث يكملون وضع التراب وبعدها يثبتون سعف النخيل فوق القبر بشكل قبة، وإذا كان هناك إكليل زهور فإنها توضع فوق التراب.

وفي الماضي إذا كان الميت قتيلا فإن شباب عيلته يستمرون في إطلاق الرصاص أثناء عملية دفنه ولكن هذه العادة انتهت كما ذكرت سابقا.

بالنسبة للمقابر يوجد في جنين مقبرتان:شرقية و غربية، و الشرقية أقدم من الغربية و لا زلنا نجد حتى يومنا هذا أن لكل عائلة من عائلات جنين الأصلية مكان معين في المقبرة يحتوي على كل قبور أبنائها و تسمى هذه الظاهرة بقبور العائلة و قد تكون محاطة بسور أو سياج و يوجد في المقبرة الشرقية مكان يسمى بالفستقية وهو عبارة عن كهف قديم يوضع به الأموات الذين ليس لهم أقارب يقومون باللوازم الواجب اتخاذها عند الوفاة فيوضع أمثال هؤلاء في ذلك المكان باعتباره قبرا جماعيا.

ما يوضع مع الميت في القبر:

منذ القديم و حتى أوساط هذا القرن تقريبا كانت هناك عادة منتشرة ألا و هي وضع أشياء خاصة بالميت معه بالقبر، ويمكننا ملاحظة أن جميع هذه الأشياء الموضوعة كانت كلها ذات قيمة مادية بسيطة. فإذا ما كان الميت صبيا صغيرا كان يوضع معه ألعابة و أبريق الماء الصغير "الكوز" الذي كان يستعمله، وكذلك قطعة الشبة و الخرزة الزرقاء التي كانت موضوعة على صدره لرد العين عنه (الحسد). أما إذا كان الميت صبية فيضاف إلى ما ذكرت الأساور و العقود الزجاجية التي كانت تتحلى بها. إذا كان الميت شابا أعزبا أو عريسا جديدا كان يوضع من ملابسه الشيء الكثير في قبره، وفي حالة موت فتاة عذراء "برسم الزواج" كانوا يزينونها و يلبسونها ثوبا جميلا فوق الكفن و تتحول جنازتها إلى ما يشبه "الزفة"، وبالنسبة للعروس التي لم يمض وقت طويل على زواجها فقد كانوا يلبسونها ثوبها الأبيض (ثوب الزفاف) وفي كل هذه الحالات كان يراعى أن تكون الأرجل معراة أي أنهم لم يلبسوا موتاهم أي شيء في الأرجل. وفي بعض الحالات القليلة والتي يكون فيها الميت عزيزا لدرجة كبيرة عند أهله، كانوا يضعون قطع الذهب التي كان يستعملها في أثناء حياته معه في القبر وكثيرا ما تكتشف مثل هذه الأشياء عند حفر القبور القديمة لوضع أحد الأموات فوق قريب آخر.

كل هذه العادات تلاشت تدريجيا منذ منتصف هذا القرن ونحن لا نجدها في هذه الأيام ولكن يوجد عادة واحدة لا تزال مستمرة منذ القديم حتى وقتنا الحاضر وهي وضع الحنا والكافور والند (1)، وقد كانوا قديما يرشون القبر بهذه الأشياء ويقولون عن ذلك بأنهم (حنوا القبر)، أما في وقتنا الحاضر فهم يضعون هذه الأشياء فوق الكفن فقط. وهناك عادة جديدة انتشرت بين الغالبية العظمى من السكان وهي إنزال المخدة والفرشة(2)في القبر حيث يتم وضع الميت عليها.

ما يجري بعد الدفن مباشرة:

بعد إتمام مراسيم الدفن، يغادر أقارب الميت المقبرة متوجهين إلى بيت أحد الأصدقاء والذي يكون قد دعاهم لتناول طعام الغذاء عنده، وبعد الانتهاء يذهب الجميع إلى بيت أحد أفراد العائلة الميت والذي تتقبل فيه عائلة الميت التعازي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الند:هو مادة يحضرها الحجاج معهم بعد دعوتهم من الحج، وهم يضعوها في القبر لأنها من بلاد الرسول إذ يعتقدون بأن ذلك بركة.

(2)المخدة و الفرشة تصنعان خصيصا للميت حيث يسجى في التابوت بعد وضع هذه الأشياء تحته.

أما بالنسبة للنساء فأنهن يبقين في بيت الميت حيث يأتيهن طعام الغذاء من الأصدقاء والجيران، وبعد الانتهاء من تناوله يعدن إلى الندب والنواح مرة أخرى.

ومن العادات المتبعة منذ القديم دعوة أقارب الميت الرجال لتناول طعام الغذاء، وإرسال طعام آخر إلى بيت الميت حيث تكون النساء، وذلك لعدة أيام من قبل الأصدقاء والمعارف والعائلات الأخرى.

الحداد:

الحداد عادة يتبعها أقارب الميت إعرابا عن حزنهم لمصابهم وإظهارا منهم بأن ذكرى الميت لا تزال في قلوبهم، والحداد متبع من قبل الرجال والنساء على حد سواء ولكنه يأخذ شكلا واحدا في الرجال ألا وهو عدم حلق شعر اللحية لمدة أسبوع من الزمن، أما عند النساء فهو يأخذ أشكالا متعددة سوف نتحدث عنها بإسهاب. الحداد عند النساء هو الابتعاد عن كل ما يسمى بملذات في هذه الدنيا ففي أوائل هذا القرن و حتى الأربعينيات كانت النساء عندما يموت شخص عزيز لهن – و خصوصا إذا كان في مقتبل العمر – يلطخن وجوههن بسناج القدور و ذلك في يوم الدفن وبعد ذلك يلزمن البيوت لا يخرجن منها لزيارة أحد و يتوشحن بالسواد مدة طويلة قد تمتد سنين عديدة. و قد كان من المتعارف أن قريبات الميت لا يخلعن ثيابهن السود إلا إذا حدث مناسبة سعيدة في نفس بيت الميت (كأن يتزوج أحد من أهله...الخ) فعندها تبدل تلك الملابس بأخرى اعتيادية و قد كان يقال "دار فلان قلبوا الكره بفرح". وقد كانت الكثيرات من نساء البلد يشاركن بلبس السواد وقد كان لزاما عليهن أن يبقين كذلك حتى خلع قريبات الميت السواد فيمكنهن عند ذلك خلعه. وقد انتشرت في القديم عادة أخرى عند بعض النساء وهي عدم لبس السواد بل لبس ملابس ملونه جديدة وعدم خلعها ولا حتى مرة واحدة بل تركها حتى تبلى على الجسم وقد يستمر لبس هذه الملابس أكثر من خمس سنوات حسب أقوال بعض العجائز في المدينة. ومن مظاهر الحداد عند النساء أيضا عدم الاستحمام، وعدم قص شعر الرأس وعدم إزالة شعر اليدين والرجلين، وعدم وضع أي مادة مزينة – كالبودرة وكحل العينين وأحمر الشفايف.

في الماضي كانت مراسيم الحداد قاسية جدا وقد كانت تسري حتى على الأطفال الصغار إذ لا يبتاع لهم ملابس جديدة أيام الأعياد ولا يطبخ في بيوت أقارب الميت عدة أنواع من المأكولات مثل المفتول والكبة والأطراف (الروس والكرشات ) وذلك لأن هذه المأكولات تعتبر نادرة ولا تطبخ إلا عند اشتهائها، ومن المفروض أن لا يشتريها من هو على حداد. وقد كان يعاب على أهل الميت ذلك الشيء أثناء النواح بالقول:

غاسلات وجاليات من الندى يا قشيلهن مش فاقدات حدا (1). إذا كان الميت طفلا أو امرأة فان مظاهر الحداد تكون أبسط من هذه بكثير. وفي وقتنا الحاضر تقلصت مراسيم الحداد بحيث لم تعد تشمل إلا المقربات جدا من الميت يلبسن الملابس ذات الألوان الغامقة كالبني والكحلي – لم يعد اللون الأسود مستعملا –لفترات ليست بالطويلة، ويمتنعن عن الخروج من البيوت لمدة قصيرة كذلك وغالبا تنتهي هذه المراسيم بعد مرور أول عيد (2) على وفاة الميت أي بمعنى أنها تستمر سنة كاملة وذلك إذا كان الميت شابا أما إذا كان كبيرا في السن وغالبا ما تنتهي بعد أربعين يوما من الوفاة.

العزاء:

هو عبارة عن حضور الناس إلى مكان وجود أقارب الميت ومجاملتهم بعبارات المواساة والعزاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الندى:الصباح،قشيلهن:تستعمل تعبيرا عن الحسرة.(2)عيد الفطر أو عيد الأضحى.

عبارة عن إظهار مشاركة بقية الناس لأهل الميت في مصابهم وهو يقسم إلى قسمين:

1- عزاء الرجال:وهو يستمر في العادة ثلاثة أيام حيث يأتي الرجال إلى بيت أحد أقارب الميت حيث يكون بقية الأقارب مجتمعين هناك، فيقدمون العزاء لهم ويدور الحديث في مواضيع شتى وتقدم القهوة السادة تعبيرا عن الحزن والحداد. يبدأ العزاء الرسمي بعد يوم الدفن ويستمر ثلاثة أيام بعدها يغلق بيت العزاء.

في الماضي عندما كان لكل عائلة مقرها المسمى بالديون و كانت المواصلة صعبة و انتشار خبر الوفاة تتم بواسطة تناقل الأخبار بين الناس كان بيت العزاء يبقى لمدة طويلة و ذالك لان انتشار الخبر لا يكون سريعا و قد تجد بأن سكان احد القرى البعيدة قد حضروا لتقديم العزاء بعد عدة أشهر من الوفاة

2- عزاء النساء: و يمتد لفترة طويلة إذا كان في القديم يبدأ من يوم وفاة و يبقى بيت العزاء بيت الميت نفسه مفتوحا حتى أول عيد يمر بعد و فات الميت. كانت نساء الحمولة يبقين في بيت العزاء و يأتي نساء البلد و القرى المجاورة ((لأخذ الخاطر)) و من العادات المتبعة في بيت العزاء البكاء والنواح في الأيام الأولى للوفاة و الصمت و عدم التفوه بأي كلمة بعد مرور فترة على الوفاة و كما تقدم القهوة السادة في بيوت العزاء.

إذا حدث و جاءت النساء من القرية لتقديم العزاء في وقت متأخر قد يأتين بعد ستة أشهر أو سنة كي يحاولون تبرير تأخرهم فكن يتفقن على أن تقول أحداهما شيء و ترد عليها الأخريات و ذلك أثناء الدخول إلى بيت العزاء، وهذا مثل يوضح لنا ما كانوا يقولن :

إحداهن البقية

شو عوقكن لليوم الدنيا بقيت موحلة(1)

في وقتنا الحاضر تغير العزاء نسبيا عند النساء و ذالك بأن بيت العزاء يفتح أسبوعا بعد الوفاة ثم كل يوم اثنين و الخميس بعد ذالك حتى الأربعين حيث يغلق نهائيا، وقد يحدد الأيام و وخصوصا إذا كان الميت كبير في السن أما إذا كان شبابا فلا تقبل الجائز ذلك ويجبرن من يتكلم على السكوت بقولهن (بناش نبرد العزاء). ومن العادات المتبعة عند النساء أن يكن محتشمات عند الذهاب إلى بيت العزاء كأن يلسن ملابس غامقة الألوان و يضعن المناديل على رؤوسهم ولا يعمدن و ضع مواد تجميل على وجوههن.

يعاد فتح بيوت العزاء مرة أخرى قي المناسبات يفتح بيت العزاء للرجال في عيد الفطر و الأضحى، أما بيوت النساء بالإضافة إلى العيدين ومناسبات أخرى مثل بدابة الأشهر البيض. و علينا أن نعلم أن ليس هناك بيت عزاء عند موت الأطفال عند الرجال و لا عند النساء، أما إذا الميت امرأة فلا يفتح لها بيت عزاء عند الرجال إلا إذا كانت المرأة مرموقة (امرأة غنية)فيفتح لها عند الرجال يوم واحد فقط.

ومن العادات التي كانت متبعة و لا زالت و لكن على نطاق ضيق أن يقدم الرجال شيئا عند قدومهم العزاء, و قد كانوا يحضرون الخرفان و السكر و الأرز و القهوة و تسمى هذه العملية (الفقدة). بقى علينا أن نعلم الحداد و العزاء كانت تؤدى في الماضي كتشريع تعيب من لا يقوم به, بل لقد كانوا يتباهون بأن عزاء فلان كان طويل. أما اليوم فإن هذه المراسيم تؤدى لتشكل واجب ورد مجاملات بين الناس (فمن قدم لي العزاء فعلي أن أقدم له العزاء ) وأكثر من ذالك فقد اختلفت عدة عادات نتيجة لذالك منها إبطال عادة إقفال أجهزة المذياع كتعبير للحداد و كذالك إبطال تأخر الزواج في المنطقة حتى الأربعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الحلاحلة:اسم حامولة/عوكقن: من عاق بمعنى آخر/موجة:رطبة،أي الأرض بعد نزول المطر عليها.

ما يقوم بفعله أهل الميت في المناسبات:

1- في يوم الدفن: يحرص أهل الميت على أن ينفذوا ما أوصاهم به الميت قبل أن يموت، لذلك فهم يبدءون من ساعة وفاته بتنفيذ ما وصى به لأن ذلك أمر محترم من قبل الأقارب وفي الغالب ما يوصي الميت بتوزيع مقدار معين من المال على الفقراء.

إذا كان أقارب الميت من الأغنياء وكانوا يحترمون ويحبون فقيدهم فإن أول عمل يعملونه هو صنع ( سفير) (1) جديد حيث يشيع فيه الميت ثم يوضع في المسجد ويستعمل من قبل الآخرين، وتعتبر هذه العملية بمثابة تقدير من الأقارب لفقيدهم ودليل على أن مكانته الاجتماعية مرتفعة بين قومه. ويحرص أقارب الميت على أن يذبحوا ذبيحة تسمى"الونسية" عند إخراج الميت من الدار حيث يعتبرون ذلك صدقه عن روح الميت حيث يقدم لحم هذه الذبيحة إلى الفقراء والمحتاجين. ومن العادات المتبعة تحضير طعام الغذاء حيث يقدم في بيت الميت لمن يبقى فيه من النساء وقت الظهيرة.

2- المحيا وسقوط الصلاة:وهي العادات الثلاثة التي تتبع يوم الدفن، ويستوجب فيها قراءة القرآن في مكان حدوث الوفاة إذ يقوم أهل الميت باستدعاء عدد من المشايخ لهذا الغرض. وفي هذه الأيام الثلاثة يقدم طعام الغذاء للنساء المعزيات وطعام العشاء للمشايخ. اليوم الثالث بعد يوم الدفن هو المهم ويسمى عادة"بالدلايل"حيث تتم فيه نفس المراسيم لكن بإضافة أشياء أخرى هي تقديم نوع من الحلويات بعد تناول طعام الغذاء وعموما ما يقدم"كنافة"ويأكلها المشايخ والفقراء. أما النساء الموجودات في بيت الميت فلا يشاركن في أكل الكنافة إلا إذا كان الميت كبير في السن، حيث يعتبرون الأكل في هذا العمر يمدهن بطول العمر وفيما عدا ذلك لا يأكلن منها، وفي يوم الدلايل يقوم أهل الميت بتوزيع مقدار معين من المال على شكل فئات معدنية صغيرة كالقروش-على الموجودين، وتحرص النساء على أخذ قطعة إذا كان الميت كبيرا في السن وذلك حتى تقوم بتعليقها على صدر طفلها الصغير كحرز يمده بطول العمر. أما إذا كان الميت صغيرا وفي مقتبل العمر فلا تأخذ النساء من هذه النقود إنما توزع على الفقراء والمحتاجين. في أيام المحيا وسقوط الصلاة يخرج أقارب الميت وأصدقاؤه رجالا ونساء لزيارة قبره مصطحبين معهم المشايخ وذلك قبيل صلاة الصبح وتسمى هذه العادة بفكة الوحدة أو فكة الحنك، حيث يقرأ القرآن على القبر وتوزع النساء أنواع مختلفة من الأطعمة والحلويات على الفقراء وهذا يسمى بالفقدة للميت. تعود النساء لزيارة القبر بعد صلاة العصر في هذه الأيام وإذا ما كان الميت غاليا وعزيزا على أهله فإن النساء يذهبن لزيارة القبر كل يوم حتى الأربعين، ولكن هذه العادة قلت وأصبحت مقتصرة على الذهاب في أيام المحيا وسقوط الصلاة وفي بعض الأحيان لا تذهب النساء للزيارة بعد صلاة العصر بتاتا.

بعد أن تعرفنا على ما يحدث في هذه الأيام الثلاثة نستطيع أن نحكم لماذا سميت بالمحيا وسقوط الصلاة كذلك لأن ما يجري فيها هو إحياء لذكرى الميت وذلك بقراءة القرآن وتوزيع الصدقات.

3 - خميس الميت : وهو يوم الخميس الذي يأتي بعد يوم الدفن على أن يكون بينهما فترة لا تقل عن سبعة أيام. وفي هذا اليوم تأتي النساء لتقديم التعازي بكثرة ويعمد أهل الميت إلى إعداد طعام الغذاء لمن يبقى في بيت الميت وقت الظهيرة، وبعد صلاة العصر تخرج النساء لزيارة القبر حيث يأخذن معهن" الفقدة" التي ذكرناها سابقا والتي توزع بعد تلاوة القرآن على المشايخ والفقراء. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)تابوت بلا غطاء:وله أربعة أرجل و يصنع من الخشب، ولذلك تبرز أطرافه الأربعة ليسهل حمله.

4- الأربعين: بعد يوم الدفن بأربعين يوما يحرص أهل الميت على إقامة شعائر معينة منها قراءة القرآن عن روح الميت و في هذا اليوم تأتي النساء بكثرة للعزاء و يحضر طعام الغذاء لهن و طعام العشاء للمشايخ. وبانتهاء الأربعين ينتهي فتح العزاء الرسمي للنساء. كما و أنه يسمح لأهل الميت بالبدء في بناء القبر بعد الأربعين و لا يسمح لهم بذلك قبل مرور هذه الفترة.

5- أول عيد للوفاة : وهو عبارة عن أول عيد – عيد الفطر أو الأضحى – يمر بعد الوفاة وفيه يخرج أهل الميت لزيارة القبر قبيل صلاة الفجر حيث يقرأ القرآن وتوزع "الفقدة" على الفقراء والمحتاجين وبعدها تعود النساء إلى بيت الميت لاستقبال المعزيات ، أما الرجال فيذهبون لأداء صلاة العيد وبعدها يعودون إلى القبور حيث تقدم لهم التعازي من قبل الرجال الذين يحضرون إلى المقبرة لزيارة موتاهم، وبعد ذلك يذهب أقارب الميت إلى احد دور "العيلة" حيث يتقبلون التعازي من الرجال في ذلك اليوم. في يوم العيد الأول للوفاة تخرج النساء بعد صلاة العصر إلى القبور للزيارة وتقديم الفقدة، ويجري إعداد طعام للغذاء وآخر للعشاء كما ذكرنا سابقا .

6- يوجد مناسبات أخرى ولكن قليلة ولم يعد أحد يهتم بالاحتفال بها، وأهم هذه المناسبات هو خميس البيض والذي يقع قبل الجمعة الحزينة عند المسيحيين وفي القديم كانت النساء تحتفل بهذه المناسبة بأن تسلق عددا كبيرا من البيض وتلونه وتوزعه على الناس ولكن هذه العادة انتهت ولم يعد أحد يستعملها إلا العجائز.

النواح:

النواح من المراسيم المرافقة للموت، إذ أن الصراخ والعويل على الأموات كانت ولا تزال عادة "شائعة" بين النساء. ولكن هذه العادة اتخذت أشكالا متعددة اختلفت مع اختلاف الزمان.

في الماضي كان النواح منتشرا بشكل أكثر مما هو عليه في وقتنا الحاضر، إذ أنه كان من الواجب على أهل الميت الندب عليه، وإنه لمن المشين والمعيب لعائلة المتوفى أن لا تندبه لأن ذلك يعني أن الميت كان غير محبوب من أقاربه وأنهم كانوا يتمنون وفاته لذلك كانت قريبات الميت يتنافسن على من أيهن تطلق أصواتا أكثر وتندب بشكل مؤثر أكثر. وإذا ما حاول الرجال أو نساء أخريات من أن يهدئن قريبات الميت ويمنعنهن من الندب يرفضن ويعتبرن ذلك إهانة " والله فلان – الميت – كان مليح، ليش بدكم تبردوا عزاه،" "قولوا عليه معنا" ويرجعن إلى الندب مرة أخرى.

يقسم الندب إلى قسمين: الأول يتم والنساء جالسات حيث تبدأ إحدى المتمرسات بالقول تتبعها الأخريات. والثاني يسمى" الحلقة" وهو أشد انفعالا من الأول ويكون عادة في يوم الموت وذلك بأن تقف النساء على شكل حلقة يكون بداخلها إحدى قريبات الميت حيث تندبه وهي تقوم بحركات هستيريه ممزقة ثيابها وشعرها بينما ترد عليها بقية النساء وهن يقمن بحركات منتظمة – تكون العملية شبيهة بالدبكة – ما تقول، وفي أثناء ذلك يلوحن بالمناديل التي تكون في أيديهن الحلقة تكون ضرورية ولا بد منها في حالة موت شاب أو زعيم وكذلك في حالات القتل إذ كانت تقام حلقات لا حلقة واحدة، أما في بقية الحالات فكثيرا ما يستغنى عن عمل الحلقة ويكتفى بالندب العادي (التقليدي).

من المعروف أن الندب تعبير عن الحزن وأن ما يقال فيه من عبارات هي للدلالة على مقدار ذلك الحزن، ولكن لو حاولنا تحليل ما يقال من ناحية اجتماعية هامة و نتيجة لذلك فقد اختلفت عبارات الندب هذه من فترة لأخرى. وسأحاول أن أكتب شيء منها حتى نستطيع أن نتبين أن النواح رافق الزمن و الأحداث العامة بكاملها و تغير بتغيرها.

شهدت الأعمال الأولى من بداية هذا القرن نهاية الحكم العثماني لفلسطين و ذلك بعد الحرب العالمية الأولى. في هذه الحرب قامت تركيا بعملية تجنيد كبرى في مختلف المناطق الخاضعة لها وقد كانت هذه العملية تسمى "السفر برلك".وقد كان العرب يجبرون إجبارا على الانخراط في الجيش و السفر إلى مناطق بعيدة للاشتراك في القتال، وقد كان الناس يعتقدون بأن كل من يذهب إلى هذه الحرب لن يعود مرة أخرى فكانت النساء تقف في وسط المدينة لتودع المجبرين من الشباب على الذهاب قائلات:

يا عسكري يا للي قطعت الميه

ما أدري عزب وإلا وراك إبنية

يا عسكري يا للي قطعت الوادي

ما أدري عزب وإلا وراك أولادي

فمن خلال هذا القول نستطيع أن نتبين مدى شعورهم بالسخط و عدم الرضى لعملية التجنيد هذه.

منذ مطلع هذا القرن و حتى الأربعينات منه كان لزاما على أحد أقارب الميت إذا كان رجلا متزوجا أن يتزوج الأرملة، وغالبا كان أخ الميت هو الذي يتزوج امرأة أخيه الميت، وذلك حتى تستطيع عائلة الميت الحفاظ على أولاد ابنها و تربيتهم تحت رعاية أمهم. وقد كانت هذه العادة منتشرة لسبب بسيط هو أن المرأة عندما يموت زوجها كان عليها أن ترجع لبيت والدها، فكانت الطريقة الوحيدة لإبقاء الأم مع أبنائها هي أن يتزوجها أحد أقارب الميت. وقد كانت النساء تدلل على هذه الظاهرة التي انقرضت في أيامنا هذه أثناء نواحهن حيث يقلن على لسان الزوجة الأرملة:

وصاني المرحوم و قال خذي سلفك على العيال(1)

إذا كان الميت كبيرا و غنيا و أقاربه ينتظرون موته بفارغ الصبر حتى يرثوه كنت تسمع النادبات يقلن:

سويشن بالمتوارثين لا تعبروا مستعجلين (2)

أي تمهلوا و لا تدخلوا بسرعة حتى تأخذوا الميت لدفنه و كأنكم أزحتم عن عاتقكم حملا ثقيلا، ثم تعملوا بعد ذلك على أن ترثوه. أما إذا كان الميت فقيرا فندبه لم يكن أحسن حالا من بقية مراسيم الوفاة، إذ تظهر مكانته الاجتماعية من خلال الأقوال التي تقال عليه و مثال على ذلك:

مات و المساس بيده و البقرة تنعى عليه

ياما حرث ياما درس ياما التعن والديه(3)

و إذا ما قارنا هذا القول بآخر وهو:

قهوته دقت بليل فنجيها يا نجمة سهيل

نستدل و بكل سهولة بأن القول الأخير كان يقال للزعماء ذوي المكانة العالية، وذلك من ملاحظتنا لاختلاف نغمة القول و قوته و المعاني الموجودة به. ومن هنا نستدل على أن الطبقية كانت تلعب دورا كبيرا حتى في تسيير مراسيم الوفاة.

حتى أوساط هذا القرن تقريبا كانت عادة الأخذ منتشرة بشكل كبير جدا فإذا ما قتل أحد الأشخاص من عائلة يكون لزاما على بقية أفراد عائلته أن يأخذوا بثأره و ذلك بقتل قاتله أو أحد أفراد عائلة القاتل مهما كلف الأمر، وقد كانت تشجع الرجال على أخذ الثأر وذلك من خلال ندبهن للمقتول

حيث يقلن:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)السلف:هو أخ الزوج.(2)اشويش:تمهل.(3)المنساس:عود الحراث.

لا تشمتوا يا ها الأعادي ما رحش منا حدا

يسلملنا أبو فلان يطويكم طي الندى

راح واحد ضل اثنين يطويكم على الوجهين

علقوا على الخيل قرنفل حرموا زرع الشعير

واقتلوا قتال فلان لونه في السما يطير

علقوا عالخيل قرنفل حرموا زرع العدس

واقتلوا قتال فلان لونه ع ظهر الفرس

يا هالغاير بارودته مصمتها حلوة الشباب على الأرض شحطها

يا هالغاير بارودته مسمية حلوة الشباب على الأرض مرمية

شوشو يا قرايبه ليش ذليته طلق بارود عند السبع منطيته

شوشو يا قرايبه يا سبوع الليل جيبه دم الغاير يا سبوع الليل

جيبه دم الغاير في مخالي الخيل شوشو يا قرايبه بها الليل

جيبه دم الغاير في البقاليل (1) استدوا الدم يا للي توخذوا دمي

استدوا الدم يا قرايبي يا ولاد عمي استدوا الثأر يا للي توخذوا بثاري

هذا وقد كان الندب على المقتول هو ذروة الندب إذ يجري عمل حلقات بدل من حلقة واحدة وقد انتهت هذه العادة بانتهاء عمليات القتل الناتجة عن الخصومات والتحزب كل لعائلته. ونحن في هذه الأيام لا نجد أثرا لهذه الأقوال إلا في صدور العجائز اللواتي عاصرن تلك الفترة واللواتي هاجت نفوسهن يوم وفاة جمال عبد الناصر وقد قمن بعمل حلقات في شوارع جنين وندبن بمثل هذه الأشياء. هذا كل ما هنالك عن النواح الذي انتهى ولم نعد نجد له أثرا وذلك لتغير الزمان.

أما في الوقت الحاضر فقد اقتصر النواح على حالات وفاة الشباب بصورة خاصة، إذ تنطلق العجائز بالقول لأن "المصيبة اللي صابتنا كبيرة" على حد زعمهن. ومن أمثلة ما يقال في حالة وفاة شاب في مقتبل العمر :

يا قايلة قولي عليه بالحلقة

يا شاربه خط القلم بالورقة

يا قايلة قولي عليه وتقولي

يا شاربه خط القلم بالمنجلة

بارودته بيد الدلال أريتها

لعاش قلبي ليش ما شربتها

اقعدي أخوك يا فلانة من فرشه

حسن الدلال بدلل ع فرسه

اقعدي أخوك يا فلانه من نومه

حسن الدلال بدلل ع هدومه

شباب يا نقالة الكيس مروا على قبر العريس

شوفوا أعزب ولا مجوز

أما إذا كانت الميتة شابة متزوجة فيقلن :

صبية ودلوها ببير ماتت حزينة ع البنين

صبية ودلوها بواد ماتت حزينة ع الأولاد

وإنما نمت بشمس الغريبة ياحسيرتي مالي حبيبة

أما إذا كان الميت صبيا صغيرا فيقلن:

عطار بالحارة بينادي طرابيش يمات الأولادي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)وليدات:تصغير أولاد/ زلوا:ابتعدوا.

قولوا لبياع الطرابيش جارة أمي لا يناديش

وليدات زولوا من قبالي لا تمرقوا من باب داري

أما إذا كان الميت كبيرا في السن فالغالب في هذه الأيام أن لا تندبه النساء، بل يقلن أقوال تتعلق بالدين مثل:زيارة قبر الرسول و الحجيج إلى ما غير ذلك و يسمى هذا النوع من القول بالحنين.

في النهاية يوجد ظاهرة رافقت تطور النواح في وقتنا الحاضر ألا وهي عدم قدرة السامع على تميز الطبقية من خلال الأقوال و ذلك لأن التمازج قد يحصل بين الناس و لم يعد الفقر و الغنى هما المؤشران الوحيدان للطبقة التي ينتمي إليها الميت।


http://www.najah.edu/index.php?news_id=5476&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment