Monday, December 14, 2009

مقتطفات من المعتقدات الشعبية في فلسطين

مقتطفات من المعتقدات الشعبية في فلسطين

لتحميل النص اضغط هنا


فريد كامل

لا يمكن تجاهل أهمية المعتقدات الشعبية كجزء ليس ببسيط من التراث الشعبي والذي يعكس في مجموعة حياة شعب معين في بقعة جغرافية معينة وفي ظروف اقتصادية واجتماعية مميزة. ولعل الحاجة الملحة لإعادة إحياء وحفظ تلك المعتقدات ماسة في الوقت الحاضر قبل أي وقت مضى وذلك لاندثار تلك المعتقدات في ظروف سياسية في بعض الأحيان وأخرى حضارية ولعل الحضارة أهم لكونها أتت بمعطيات ومفاهيم جديدة طغت على الحياة الطبيعية البسيطة وغيرت من ظروف البيئة والمجتمع الشيء الكثير. ومجمل القول أن العادات والتقاليد والمعتقدات القديمة في طريق الاندثار في الشرق الأوسط والشرق الأدنى ولعل هذا القول أكثر صدقا وانطباقا على فلسطين من أي بلد آخر.

ظروف نشأة المقتضيات الشعبية :

في بداية حياة الإنسان على وجه البسيطة حيث كان يشعر بالضعف أمام قوى الطبيعة الجبارة فقد نسبت للكائنات المحيطة به صفات إنسانية فهي تغضب وترضى وتعطي وتمنع وتنفع وتضر ومن هنا ألبسها روحا خاصة وأسند إليها إرادة كاملة وأخذ يحدد علاقته بها لأنها كائن قادر على التدخل في حياته اليومية وبلغ به الخوف منها_ وربما الحب لها أن ألهها وأخذ ينسج حولها الحكايا والأساطير (1) .

في هذه الظروف وجد الإنسان نفسه بحاجة إلى تفسيرات مرضية لمختلف الظواهر المحيطة به وذلك ليشعر بالاطمئنان إلى تفسيره وليتجاوز مرحلة الشك والحيرة والخوف من تلك الظواهر والتي لا يستطيع التحكم في بعضها ثم تطورت العلاقة للتعامل معها ومع كل القوى المحيطة به والتي لا يعرف عن أسرارها شيئا وأطرته ظروف بعضها اجتماعي والآخر نفسي عاطفي إلى ضرورة التعامل مع هذه الكائنات فالسماء لا تمطر وهو محتاج إلى الغيث الريح تزمجر وهو ضحية العواصف وقد اضطر ذلك الوضع إلى التعامل مع هذه الكائنات بوسائل يخاطبها بها بلغة خاصة فكانت التعاويذ والطلاسم والرقي وإلا حجبة في أساس نشأتها(2).

وكان الإنسان في بداية حياته على وجه الأرض ملتصقا بالطبيعة لبدائية حياته فهو بحاجة إلى الواسطة أو الوسيلة يتجاوز بها الهوة التي تفصل بينه وبين تلك الظواهر الطبيعية وكان لا بد من اختراع الوسطاء سواء الخيالين منهم أو الحقيقيين فوجد الأولياء الذين كان يعتبرهم كواسطة بين الإنسان والله أو القوة الخفية الأخرى كالأرواح وغيرها ولهذا كان لا بد للإنسان منذ فجر التاريخ من إعطاء العالم معنى خاصا لنجعل للطبيعة وجها بشريا مغايرا لوجوه البشر وملا عالم الغيب بآلهة وأشباح شبيهة به فلم يحس بالوحدة وسط عالم الآلهة المتعددة فإذا ظهر عصر ألآله الواحدة صورة الإنسان على هواه خلال العصور المتتابعة(3) .

فجعله في العصور الوسطى مجموع الألغاز التي تهدد كيان البشر ونسب إليه إرادة لا يملك الإنسان حيالها إلا الخضوع وفي القرن السابع عشر جعله قريبا من البشر وخلال الثورة الفرنسية تحول الإله إلى مجرد قضية منطقية من قضايا المنطق (4) .

لقد كانت التفسيرات المتوفرة لظواهر الطبيعة في معظمها مستقاه من الديانات السماوية والتي تجمع كلها على وجود الله سبحانه وتعالى وهو مسير هذا العالم بمختلف جزيئاته بصورة دقيقة وعلى وجود أرواح غير مرئية كالجن وممارسات وعادات بالنسبة للحساب والعقاب أو زيارات الموتى أو احترام الأولياء وينسج حول تلك الحقائق الدينية من الخزعبلات والمعتقدات الخيالية الكثير وما جعلهم يفعلون ذلك هو عملية الربط الموجودة لدى الإنسان لمختلف الظواهر، وتغيير تلك العلاقة حسب الأهواء البشرية. ففلان ماتت شاته وحماره لأنه كان يقسم إيمانا كاذبة وآخر كسر محراثه أثناء عملية الحراثة لأنه قطع أيد المحراث من شجرة الولي أو الشيخ. عملية ربط هذه الحوادث بتفاسير مختلفة تضفي على المعتقدات تأكيدات جديدة، وطابع حقيقي. أما عن سكان الريف الذين هم في أمس الحاجة للمطر ليروى الزرع الذي في حياتهم، ولذا فهم يخرجون إلى الشوارع يجوبونها خفافا وثقالا، نساءا وأطفالا أثناء الجفاف يسترضوا الله والأولياء أن يرضوا عنهم ويغيثهم بالمطر، ويذهبون للولي في مناسبات أخرى غير الاسترضاء وطلب الرحمة وذلك كما يقول الأستاذ نمر سرحان لأداء العبادات وقسم الإيمان والوفاء بالنذور وطلب البركة والشفاء . (5) فتراهم يرددون:

"شوربنا يا بنات

خبزي كراكيش في عبي "

ويا ربي نقطة نقطة

تنسقي زرع القطة

ويا ربي هولة هولة

تنسقي زرع الدولة

ويا أهل الحي ويا أهل الحي عطشانين اسقونا مي

وإذا ما أتت الرياح أو حل الجفاف قالوا وأقروا بغضب الله وترى الفلاحون يفسرون ذلك بأن الكفر حل بالناس، وطغى على الإيمان ولهذا غضب الله عليهم. لقد شملت المعتقدات الشعبية معظم الظواهر الطبيعية الروحانية منها والمادية، حيث حظيت بمادة أكثر، وبتفسيرات مستقاة من القرآن الكريم، والتراث الإسلامي عامة. فهذا حرام، وذاك مكروه، و الكل يرجع في جذوره الأصلية للدين سوى بعض ما ألبس من تلك الظواهر بطابع غير ديني.

و الواقع أن كل حضارة ظهرت منذ فجر التاريخ تميزت بحقيقة خاصة، وكانت الحقيقة في الحضارة الهندية القديمة هي الوهم وزيف العلم، وكانت الحقيقة عند البدائيين هي وجود قوى سحرية تحرك العالم، وكانت الحقيقة في الفن الكلاسيكي الذي ازدهر على شواطئ البحر المتوسط هي القناع الذي يخفي وراءه حقيقة لا تراها العين.(6) لقد كانت الحاجة لوجود المعتقدات، لوجود تلك التفاسير التي توضح الغموض الذي يعتري مختلف الظواهر الطبيعية، ولهذا فقد لخصت جماهير الشعب في أدبها، وتاريخها و تجارب حياتها فهو السجل الكبير الذي يرينا موقفهم من مشاكل الحياة والطبيعية، وفي تكوينهم الفكري والعاطفي جانب ضخم يطالعنا في كل قرية وكل فلاح ذلك هو المعتقد يخالفون به العلم الحديث وتعاليم الإسلام والمسيحية.(7) "إن قول يورباخ في مؤلفه "جوهر المسيحية" من إلا شيء موجود خارج الطبيعة وما الكائنات العليا التي خلقتها تصوراتنا سوى انعكاس لجوهرنا ولده الخيال و الوهم"(8).

الرقي : لو حاولنا تفسير كلمة الرقي بمفردها، لوجدناها مشقتة من الفعل رقي بمعنى اتقي شر شيء ما سواء أكان ذاك الشيء حيوان أو إنسان أو قوى خفية أو شريرة (كالشياطين والجن) و شيوع عمليات الإناء أو الرقي مقتصرة على الجماعات البدائية التي لا تال تحكمها الغيبيات وذلك لاتصالها بالطبيعة والبدائية حياتها، ووسائل عيشها، وذلك لبعدها عن الحضارة و التكنولوجيا التي لا يمكن تجاهل دورها في قلب المعايير الاجتماعية و المعطيات الفكرية والأنماط الاقتصادية رأسا على عقب . ووسائل الرقي متعددة من حيث الطريقة و الوسائل المتبعة، وذلك تبعا لعدة عوامل مدى تطور ذلك المجتمع، وظروفه و البيئة و المفاهيم الدينية لديه، وقرب الحضارة أو بعدها عنه.

كثيرون أولئك الذين يقولون بأن مضمون الأدب الشعبي هو تلك الأفكار الغبية ومن هنا يهتمون بدرسها اهتماما بالغا، لكنا نعتبرها عنصرا من عناصر الكيان الفكري والعاطفي عند جمهور الشعب انخرطت إليه من الماضي السحيق وأعانها على البقاء أن الإنسان عامة لم يبرح بعيدا عن تطبيق العلم على الطبيعة وبعيدا عن أن يسيطر على غوامضها وأسرارها وهذا الهامش المجهول هو التربة الخصبة لنمو الوهم وبقائه وذلك فضلا عن الأسباب الاجتماعية الأخرى(9). لقد ورد ذكر كلمة الرقي في الشعر العامي على لسان زجال شعبي في معرض وصفه لشجيرات العنب التي زرعها، وخشي عليها من العيون الصائبة أو الحاسدة، فمعدها بالرقي حيث قال:

زرعت العنب عالطريق هدف صار القطف زي الإبريق

والله يا عنب لارقيك من عنين الملايات

وفي هذا توضيح لنوع من أنواع الرقي ألا و هو الرقي من العين الصائبة أو الحاسدة.

" والفكرة التي تصيغ الأدب الشعبي خاصة الرقي هو أن يقهر القوى المناهضة (أو الخارقة) وبمعنى آخر فالقول يعني الفعل تلك المرحلة بدائية من تصورها اللغات في نموها فالعربية مثلا مرت بنفس المرحلة على ما يحدثنا ابن الأثير – حين كان الفعل "قال" يعني حدوث شيء ويعني أيضا وبذات الوقت الأخبار عنه".(10)

أما النوع الثاني من أنواع الرقي فهو الأرواح الشريرة و النوع الثالث الرقي من الحيوانات المفترسة و الحيوانات الزاحفة. ومهما تعددت أنواع الرقي فالهدف يبقى واحد وهو إبعاد الشر والأذى عن الإنسان و حفظه من ضررهم ضرر الحيوانات الأخرى.

" وإجمالا لا تزال بعض المجتمعات المتقدمة تؤمن بالحجبة كمخلص من المرض و البدو وأهل الريف على السواء يتخذون الحجب كمنقذ من الإصابة بالعين "(11).

والحجب هي وسيلة من وسائل الرقي التي تحتوي في معظمها على آيات وأدعية دينية، وتعاويذ هدفها إبعاد الأرواح الشريرة. وهناك ظواهر عديدة في مجتمعاتنا و خاصة الريفية منها إلا وهي عملية نثر الملح والشعير على رؤوس الحاضرين أثناء زفة العريس وتقوم بهذه العملية أم العريس لتحفظ العريس من العين الصائبة وهذه الظاهرة موجودة في قرانا الفلسطينية وعند الفلاحين المصريين أيضا كما يؤكد هذه الحقيقة رشدي صالح في الأدب الشعبي .

أدوات الرقي:

1- خرزة زرقاء.

2- شبه بيضاء.

3- أدوات مهملة وقديمة ووضعية كاللاحذية المهترية .

4- قطع قماش سوداء.

5- تعاويذ وأدعية دينية واستنجاد بأولياء وشيوخ وبسيدنا الخضر

6- ألقاب وضعية"مثل أزعر وكعش"

وسائل الرقي:

1- التحويط ويكون بالتحويط على إنسان من إنسان، وعلى إنسان من حيوان وعلى حيوان من حيوان، وعلى إنسان من أرواح خفية وشريرة.

2- التعطيب: ويجري بواسطة امرأة مسنة ضد الإصابة بالعين وضد الإصابة بمرض أو حلول روح شريرة في جسم الإنسان.

3- الحجب : هي عبارة عن مجموعة من الآيات القرآنية البحته في بعض الأحيان وفي بعضها الآخر تعاويذ و أدعية دينية وفي بعضها الآخر رموز وحروف لا معنى لها . وكل نوع يستعمل في ظرف معين ولوضع مختلف عن الآخر وتلف على شكل مثلث وتعلق على كتف الشخص المراد وقايته أو توضع تحت رأسه .

ولنبدأ بتفصيل ظروف استعمال كل وسيلة من وسائل الرقي:

1- التحويط : يجرى التحويط كما قلنا في عدة ظروف وأنواعه عديدة .

2- التحويط على إنسان من حيوان مفترس أو زاحف . أو التحويط على حيوان أليف من حيوان مفترس ووسيلة ذلك هي الأدعية والتعاويذ والآيات القرآنية .

فعندما تضيع شاة لأحد الأشخاص وأراد أن يقيها شرا لحيوانات المفترسة يذهب إلى الشيخ أو إمام القرية حاملا معه سكينا تغمد (موسى) وهناك يمسك الشيخ بالموس بعد أن يكون قد فتحه ويبدأ العزيمة قائلا آيات من سورة البقرة أهمها سورة الكرسي قال تعالى :

"الله لا اله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم" .

ثم يضيف " احفظ يا مولاي هذه الدابة وذاك الشخص من كل شيء يؤذيه بسرك وبسر سورة ، إذا الشمس كورت و إذا النجوم انكدرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت ، حشرت بحق هذه الأقسام أحشر هذه الشاة من كل شيء يأذيها، وبسر سورة" قل هو الله أحد قل أعوذ برب الناس "ويردد كل آية ثلاث مرات متتالية .

ولعل التجربة أكبر دليل على صحة تلك التحاويط ، حيث ضاعت حيوانات كثيرة في ظروف غامضة ووجدت بكامل صحتهن دون أن يمسهن أي ضرر.

واستنادا إلى أن الجماعات البدائية لديها اعتقاد سائد بوجود القوى الخارقة ، فوق الطبيعة فهم يؤمنون بصحة تلك الأدعية وبفعالية التحويطة .

أما التحويطة على الإنسان من الزواحف وخاصة الأفاعي، والعقارب فتتسم بقول الشخص هذه الأدعية محوطين تحويطة الله والأفاعي من كل شيء ساعي . سيدنا محمد في البلد بقطع الرأس قبل الذنب اللهم صلى على سيدنا محمد، ألف ما تنقص حرف".

وتحويطة أخرى ضد الزواحف تقول :

محوطين تحويطة الله وسيدنا الدسوقي .

من كل شيء في الخزوقي .

قريب ما يجينا بعيد ما ياذينا

من الدب والدبيبة والرجل الغريبة

سيدنا محمد في البلد في يده مطرقة الذهب

بقطع الرأس قبل الذنب

اللهم صلى على سيدنا محمد ألف ما تنقص حرف

وتحويطة أخرى تقول :

محوطين بالله ودارنا ودوارنا

وعشرة من جيرانا

باللوح والقلم والعرش ومحمد والسبع كلمات اللي قراهن سيدنا محمد على رأس الجبل لا يجينا لا دابة ولا دبيبة ولا رجل غريبة ولاحمال حطب ولا حمال حديد لما تطلع الشمس وتغيب نصلي على قلب الحبيب محمد .

وهناك تحويطة أخرى على إنسان تحاشيا لأذى إنسان آخر وتكون بقراءة آية الكرسي من قوله تعالى :" الله لا إله إلا هو الحي القيوم ... إلا وهو العلي العظيم" . ومما يروى عن فعالية قراءة تلك السور أن جابي الضرائب زمن الحكم العثماني كان يجمع الضرائب من بلاد عديدة ولهذا كان يستدعي عمله هذا وجود فرس معه، وأثناء تنقله من بلد لآخر، غربت عليه الشمس فقرر المبيت، في البراري الموحشة، وكانت ظاهرة السرقة منتشرة بصورة كبيرة زمن الحكم العثماني وذلك لسوء الوضع الاقتصادي عامة، ولانتشار الفقر والمرض والجهل .

وقبل أن ينام قرأ سورة الكرسي ولما انتصف الليل قدم بعض اللصوص ممن توقعوا غنيمة كبيرة باستيلائهم على ما جمعه الجابي من مال، وبينما هم يقتربون من مكانه إذا بهم يشاهدون أسوارا من الحديد، وقد أحاطت بالجابي وفرسه، حالت دون وصولهم إليه وأخذ المال. ولم يتمكنوا إلا من أخذ تبنات الحصان (زاده) وفي الصباح رأى الجابي ما جرى فأيقن أن اللصوص فعلوا ذلك لكنه احتار في أمر سرقة(مخلاة) الحصان وبعد حين شاهد المخلاة مع اللصوص وقصوا له القصة، وتبين أن الفجوة التي تمكن اللصوص من أخذ المخلاة من خلالها بسبب نسيانه لحرف من السور القرآنية. ومن التحويطات التي تقي الإنسان من أعداءه حيث تتلى قبل النوم و يقال فيها:أنجزنا بابنا والله حجابنا

عصاة عيسى و موسى درباس لبابنا

لا يجينا لا حادى ولا دبيب

ولا ناقل حديد

إلا تطلع الشمس من شرقا و تغيب

نسلم عالحبيب محمد

و من التحويطات التي يقولها الشخص ليقي نفسه من الأرواح الشريرة تلاوته لآية الناس قال تعالى:"قل أعوذ برب الناس،ملك الناس، إله الناس،من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس".

أما المرحلة الثانية من الرقي فهي التعطيب، و هي وسيلة من الوسائل التحويطية أيضا. و تستعمل لإبعاد الأشر، والحد من عيون الحساد و العيون الصائبة. وتتم عملية التعطيب بعد فترة من فترات الحيرة و الشك في أمر إنسان مشهور عنه أنه يصيب بالعين وأثناء دخوله لبيت ما يخشى أهل ذلك البيت على أولادهم الصغار من الإصابة بالعين التي قد تؤدي بحياتهم في بعض الأحيان. ولذا فهم يأتون بقطعة قماش سوداء، أو زرقاء من ثياب إبنهم المراد التعطيب له. توضع في النار ريثما تشتعل، ثم تطفئ ويترك الدخان ليتصاعد منها ولينشقه الحاضرين بما فيهم المراد التعطيب له. وأثناء ذلك تقرن تلك العملية بآيات قرآنية وتعاويذ كالتالي:

حوطتك بالله من عين خلق الله

من عين إمك ومن عين أبوك

ومن عين عمتك ومن عين أختك

ومن عين الجيران ومن عين اللي حسدوك

عين الصبي فيها نبي

عين الذكر فيها حجر

عين الحسود فيها عود

وعين الجار مقلوعة بنار

النبي رقى ناقته واتبع رفاقته

بقت تنين صبحت تسير

بقدرة السميع العليم

طبخنا عدس سقنا عدس المرة عزمت والرجل عبس اخرجي يا عين كما خرج المهر من بطن الفرس. اللهم صلي على سيدنا محمد ، اخرجي يا عين كما خرجت الشعرة من العجين، الغنم في مقيلها و الجمال تحت أحمالها.

وهناك في المجتمع البدوي الأردني كان التشابه الكثير بينه و بين المجتمع الفلسطيني و المصري، وهذا ما يثبت وحدة البيئة الحياتية العربية الاجتماعية منها و الاقتصادية أما التحويط على الحيوانات الأليفة التي ضاعت من الحيوانات المفترسة متشابهة في هذه البلاد."فالبدو يعتقدون أنه إذا ضاع لأحدهم شاه فإن قوة غريبة قد أخفتها ، ولذلك يطبق موسا يغمد خنجرا، وإذا استل ذلك الخنجر أو أغمد ذلك الموس يبطل مفعول اللجام و الجام يكون على الوجه التالي:

أولها باسم الله وثانيها باسم

وثالثا ثلاثة أمانات الله

صرخ دانيال في جبة الأسود

وقال واش هالصوت العظيم

لا أراميل انقهرت ولا يتامى انتهرت

ولا حدود اتعطلت ولا حجارة تقلبت الجم

يا رب على فلان بن فلانه من الوحوش و الوحشية

والضبع والضبعية و كل دبابات الأرض الجم يا رب.(12 )

أما في مصر فهناك رقية تحفظ من أذى الثعبان وذلك بالإستنجاد بسيدنا الرفاعي وهو اسم ولي ورد في فلسطين حيث يقولون:

الغالب الله على الله لا يقوى أحد

باسم الحرم الشريف و الكتاب

باسم الذي نوره فتح الأبواب

أخرج واخضع للكون باسم سيد الأكوان .

دعوك باسم شيخي وسيد طريقتي أحمد الرفاعي(13).

وكانت الحاجة ماسة لوجود مثل تلك الرقي و ذلك لأن الفلاح و المرأة في القرية يجهلان خواص الثعابين و الزواحف التي تصادفهم يوميا، ولهذا فكيف يعرفون أذاها، والطريق الوحيدة هي الرقية، والاستعانة بقوى خارقة، وكان هذا حال الفراعنة.

ومن وسائل الرقي الأخرى الحجب، وهو عبارة عن ورقة يقوم بكتابتها شيخ وتلف على شكل مثلث وتعلق على كتف المراد. وذلك لإبعاد الأرواح الشريرة عنه. ويحتوي الحجاب في معظم الأحيان على مجموعة من الأدعية و التعاويذ و الآيات القرآنية وفي بعض الأحيان يحتوي على رموز مبهمة والمرأة البدوية دون الجل تهتم بالسحر تؤمن بفعاليته، وتلجأ إليه إذا ما أراد تحقيق نصر على ضرتها. ويعتقد البدو أن كتابة الحجاب " العقدة" (14)و يستعمل الحجاب في أشياء خيرة، كتوطيد الألفة و المحبة بين اثنين، أو زوجين وقد يستعمل لشر كالتفريق بينهم.

الإصابة بالعين و الوقاية منها:

يعتقد أن أشخاص معينين يصيبون بالعين دون غيرهم و هم ما يصفهم الناس بما عيونهم فارغة، وهذه الصفة ملازمة للشخص المصيب بالعين، ولذا يتشاءم الكثير عند قدوم مثل هؤلاء الأشخاص إلى بيوتهم وعند النظر إليها. ولذا تراهم يرددون ويتمتمون في تعاويذ و أدعية تبعد شر إصابة ممتلكاتهم بالعين الحاسدة التي قد تؤدي بحياة دابه لهم أو يصيب ابن لهم بضرر.

وسيلة الإصابة بالعين :

وسيلة الإصابة بالعين هو عدم ذكر النبي عند رؤية شيء ما أعجب ذاك الشخص، وبالعكس بدلا من أن يصلي على النبي يشهق شهقة تعجبية استفسارية قائلا (يع) أو ياي أو يا سلام إلى غير ذلك.

كيفية الوقاية من العين الصائبة:

تتقى العين الصائبة بعدة طرق، ومن هذه الطرق، وضع خرزة زرقاء على الشيء المراد وقايته، سواء كان بيت أو طفل أو سيارة. وضع أدوات مهترئة ووضيعة كوضع حذاء بالي على سيارة جديدة. وفي بعض الأحيان تكون الوقاية بوضع قطعة من الشبه البيضاء في النار لكي تنتفخ وترسم صورة المصيب بالعين علها كما يعتقدون تبتدء بالانفتاح و تترك ريثما ترسم ملامح الشخص (أصلع ،سمين أو نحيف) ويدعون أنهم عرفوه وتفرك قطعة الشبه في يدها و تمسح بها على جبين الطفل المصاب قائلة :"روحي يا عين تحت الرجلين، روح يا شر بره. واتكلنا على وجه الله.

ومن الدواعي الرادعة للحسد والعين ارقيتك واسترقيتك من عين الزرقاء ورقيتك، عين الجار فيها نار و عين الحسود فيها عود، عين المره فيها عود شتشرة عين البنت فيها خشب عين الذكر فيها حجر وهذي تقلع عين إلي تراك وما يصلي عالنبي اخرجي يا عين بالصلاة على النبي اللهم صلي على سيدنا محمد حتى يرضى النبي "والبدو يعتقدون أن إصابة العين وراثية ولذلك فهم يعرفون من هم أصحاب العين الصائبة، و الاعتقاد بالعين الصائبة يكاد يكون اعتقادا عاما لدى الجامعات البدائية"(15)ويتقي البدو العين الصائبة بوضعهم وشم على الخدين أو الذقن أو بوضع خرزة زرقاء أو يضعون شبه على جمر ويتمتمون بعض الأقوال " عين الحسود فيها عود و عين الجار فيها مسمارة وعين الجارة فيه وهارة".

وهم يعتقدون أن فراغ عيون الحساد ناتج عن عدم إيمانهم و هم يستشهدون بذلك اعتمادا على قول الرسول:" أكثر القبور من العيون"(17).

وجملة القول أن المعتقد الشعبي حافل بأشياء لم تخص فيها ولم نحاول بعد إرجاع تلك التفاسير إلى بين أيدينا لجذورها الأصلية.لقد كانت الأدعية و الرقية ووسائلها المتعددة ضرورية لإبعاد الأرواح الشريرة و اتقاء العين الصائبة ولتحقيق أغراض أخرى موجودة في أساسها على وجود قوى خفيه يمكن تسخيرها لخدمة مآرب إنسانية. فمن طبائع الأمم من بني الإنسان تفسير غوامض الأمور بما تستقبله عقلياتهم من عناء التفكير. وفي هذا لعب الفن دورا رتيبا هنا في خلق الوساطة بين الإنسان و الكون عبر الكلمة التي عبر الإنسان فيها عن إحساسه وتفكيره وموقفه من مختلف الظواهر الطبيعية.

"فالفن هو اللقاء بين الواقع المادي الملموس و الواقع الروحي المفتوح"(18) "سواء عن طريق الفن الزخرفي المحض الذي يحاكي الطبيعة أو عن طريق الفن الإبداعي الخلاق الذي يسعى إلى تفسير الطبيعة"(19).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. مجلة الهلال عدد خاص عن السحر و السحرة ص 82.

2. مجلة الهلال عدد خاص عن السحر و السحرة ص 82-1975.

3. مجلة الهلال عدد خاص عن السحر و السحرة ص82.

4.عالم الذكر ص237 سنة1975 العدد الرابع –يناير.

5. العدد السابق-ص273، سنة1975.

مجلة عالم الفكر – الكويت ص237- العدد الرابع – المجلد الخامس 1975.

نفس المصدر ص23.

10. انظر الأدب الشعبي، رشدي صالح ص167.

11. المصدر السابق ص167.

12. المجتمع البدوي الأردني-أحمد حمدان الدبايعة-عمان-1974.

13. المجتمع البدوي الأردني-أحمد حمدان الدبايعة-عمان-/ص(178)/1974.

14. انظر الأدب الشعبي، رشدي صالح ص13.

15. المجتمع البدوي الأردني-أحمد حمدان الدبايعة-عمان-1974.

16. المصدر السابق ص182.

17. نفس المصدر ص180-181.

18. انظر العبادي أحمد عويدي المرأة البدوية سنة 1974 وزارة الإعلام عمان-27.

19। عالم الفكر –ص177 العدد الرابع يناير 1975.


http://www.najah.edu/index.php?news_id=5481&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment